148

(وأما ذكره فلكونه) أي الذكر لا ذكر المسند إليه كما توهمه عبارة المفتاح، حيث قال أو لأن الأصل في المسند إليه كونه مذكورا؛ إذ أصالة الذكر لا يخص شيئا، (الأصل) الذي لا يعدل عنه إلا بسبب، ولا مقتضى للحذف كذا في # الإيضاح، فإن قلت: لا يتوقف اقتضاء كون الذكر الأصل للذكر على انتفاء مقتضى الحذف؛ بل يكفي انتفاء القرينة (¬1)! ! .

قلت: كأنه لم يرد بالمقتضى ما يزيد على المصحح، بل ما يندرج فيه المصحح، إذ بوجود المصحح يتم المقتضى، ويثبت الاقتضاء، وجعله أول نكتة، والمفتاح أخر ذكره عن الكل، وكأن المفتاح جعله نكتة متبذلة، ولهذا قال السيد السند الذكر لكونه أصلا لا يوجب نكتة زائدة على كونه أصلا، والحذف لمخالفته الأصل يوجب نكتة باعثة عليه، معتدا بها، فالحذف أعرف وأقوى في اقتضاء المعاني الزائدة على أصل المعنى، التي هي المقاصد في علم المعاني، فلذا يقدم الذكر.

والمصنف خالفه وجعله نكتة غريبة لا تنالها إلا أيدي نظر الخواص؛ لأنه لا يحتاج إلى معرفة أنه ليس في المقام شيء من مقتضيات الحذف، وهذه شأن الأنظار الجليلة، لكن ينبغي أن يذكر معه ولا مقتضى للعدول عنه، ولا يفوته القيد الذي به صار جليلا كما فات المفتاح.

(أو للاحتياط لضعف التعويل) على القرينة (أو التنبه على غباوة السامع) أو لغباوة السامع، أو توبيخه بالغباوة (أو زيادة الإيضاح والتقرير) إما للمسند إليه، أو لغرض تعلق بتكرير المسند إليه، كما في قوله تعالى: أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (¬2) حيث كرر اسم الإشارة، ولم يكتف في الحكم الثاني بما ذكر من اسم الإشارة للتنبه على أن هؤلاء الموصوفين بشرف الإيمانين ممتازون بكل من يستخر الهدى وكمال الفلاح، وكل منهما يكفي في تمييزهم فلإيضاح هذا الغرض ذكر المسند إليه، ولم يحذف بنصب القرينة على تقديره؛ إذ مع الحذف لا يتضح التكرار كمال الاتضاح، ولا يفصح عن الغرض المذكور كمال الإفصاح، وبهذا ظهر فساد رأي من قال: ليس الآية من قبيل اختيار الذكر على الحذف، إذ لو ترك (أولئك) الثاني لم يكن مقدرا بل كان ما بعده معطوفا على مسند «أولئك» الأولى.

مخ ۲۸۹