127

وأما الأفعال المتعدية فينبغي أن يفصل، ويقال: ضرب الدار، إن قصد به كونها مضروبة فمجاز، وإن قصد كونها مضروبا فيها فحقيقة، وكذا الحال في ضرب ضرب شديد، وضرب التأديب، هذا ونحن نقول: كون إسناد الفعل المبني للمفعول إلى غير المفعول به مجازا مبني على أن وضع ذلك الفعل لإفادة إيقاعه على ما أسند إليه، فحينئذ إذا صح جلس الدار فبتشبيه تعلق الظرفية بتعلق # المفعول به، ووضعه مقامه، وإبرازه في صورته تنبيها على قوته؛ فإن أقوى تعلقات الفعل بعد التعلق بالفاعل تعلقه بالمفعول به، ولا يجب أن يكون هناك مفعول به محقق، بل يكفي توهمه وتخيله، كما تقول: أقدمني بلدك حق لي عليك، لتوهم مقدم وتخيله؛ مع أنه لا مقدم هناك، ولا متحقق إلا قدوم للحق، إلا أنك صورت الحق في صورة المقدم الموهوم مبالغة في سببيته، وسيأتي مزيد تحقيقه. فضرب الدار لا معنى له إلا جعله مضروبا، ولا يتأتى فيه تفصيل، نعم يشكل الأمر في: ضرب في الدار، وضرب للتأديب، فإنه لا يظهر جعل الدار مضروبة مع وجود في، بل يتعين جعلها مضروبا فيها، ولا يظهر جعل التأديب إلا مضروبا له، فلا تجوز فيهما بل مما حقيقتان. هذا إذا جعل نحو في الدار ظرفا، ونحو للتأديب مفعولا له، كما هو مذهب الشيخ ابن الحاجب؛ أما لو جعلا مفعولا به بواسطة حرف الجر كما هو المشهور المتفق عليه الجمهور فلا إشكال؛ لكن تمثيل المصنف للمكان بقوله: نهر جار، وللسبب بقوله: بنى الأمير المدينة، ويرشد إلى أنه لم يجعل النهر والأمير مفعولا به بالواسطة- لا يصح أن يكون النهر مفعولا فيه، إلا بذكر «في»؛ لأنه ليس مكانا مبهما، ولا يصح أن يكون الأمير مفعولا له إلا بذكر اللام، فلو كان المفعول فيه وله بالواسطة عنده مفعولا به لما مثل بهما للمكان، والسبب المقابلين للمفعول به.

مخ ۲۶۷