(وأدقها سرا) هو ما يكتم، أو لب الشيء، وإنما جعل علم البلاغة وتوابعها من أجل العلوم قدرا لأنه أراد تفضيل كل واحد من أفراد علم البلاغة وعلم توابعها وهي ثلاثة: علم المعاني، والبيان، والبديع، فلا يصح جعل كل أجل جميع العلوم والألزم تفضيل الشيء على نفسه بل لا بد من اعتبار الثلاثة طائفة هي أجل العلوم، وجعل كل واحد منها؛ فيستفاد جعل كل أجل مما سوى الثلاثة وحينئذ يتجه أن كلا منها ليس أجل من شيء من أصول الشرع وفروعه، فيجاب بأن المراد بالمفضل عليه العلوم العربية كما يتبادر من إطلاقها في كتب العربية، وهذا هو الجواب الحق، وأما ما قال الشارح المحقق من أنه لا حاجة إلى التخصيص لأنه لم يجعله أجل العلوم بل من طائفة هي أجل العلوم، ولا يلزم منه كونه أجل من جميع ما سواه ففيه أنه حينئذ لم يعلم لهذا العلم درجة يعتد بها مزيد اعتداد فيما بين العلوم العربية، لأنه يجوز أن لا يكون أجل من شيء منها أو لا يكون أجل إلا من واحد منها، وكذا ما قاله من أن هذا ادعاء منه، وكل حزب بما لديهم فرحون، فللفرح به يدعي، ولا يبالي بمخالفة الواقع فيه أن أهل الملة لا يفرحون بشيء بحيث يدعون تفضيله على علم الدين.
على أن قوله: لا حاجة إلى التخصيص يشعر بأن الظاهر الإطلاق، وقد عرفت أن الظاهر من إطلاق أرباب العربية التخصيص وأن الاستدلال عليه يشعر بأنه ليس ادعاء، إلا أن يقال إنه صورة استدلال ترويجا للادعاء، وحينئذ لا يناسب المنازعة في مقدمات الدليل، ولا يحمل مؤنة التوجيه لدفعها.
(إذ به يعرف) مباشر مكتسبي السليقة فلا يرد أن العرب تعرف بالسليقة من غير علم البلاغة وتوابعها، وقال الشارح: أراد الحصر الإضافي أي به يعرف لا بغيره من العلوم (دقائق العربية) أي اللغة العربية أو العلوم العربية (وأسرارها) وهي أدق الدقائق والأسرار؛ فيكون أدقها سرا، وإنما قدم بيان كونه أدق العلوم سرا لأن ما ذكره في بيان كونه أجل العلوم قدرا إنما ينكشف بما ذكره في بيان كونه أدق العلوم سرا.
مخ ۱۴۴