Attributes of Allah in the Qur'an and Sunnah
صفات الله ﷿ الواردة في الكتاب والسنة
خپرندوی
الدرر السنية
د ایډیشن شمېره
الثالثة
د چاپ کال
١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٦ م
د خپرونکي ځای
دار الهجرة
ژانرونه
ـ[صفات الله ﷿ الواردة في الكتاب والسنة]ـ
المؤلف: علوي بن عبد القادر السَّقَّاف
الناشر: الدرر السنية - دار الهجرة
الطبعة: الثالثة، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٦ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
_________
تنبيه: [في هذه النسخة الإلكترونية] نص الكتاب - كما ورد في موقع الدرر السنية بإشراف الشيخ المؤلف - حفظه الله - هو الطبعة الثانية ١٤٢٢هـ - ٢٠٠١م، لكن أعيد توزيع صفحاته وترقيمها ليوافق الربط بالنسخة المصورة وهي للطبعة الثالثة، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٦ م وجاء فيها:
فهذه هي الطبعة الثالثة من كتاب «صفَاتِ اللهِ ﷿ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسنةِ» تمَّ فيها تصحيح الأخطاء المطبعية في الطبعة الثانية، وتعديلات يسيرة في المبحث الأول والثالث والرابع.
1 / 1
مقدمة الطبعة الثانية
«الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والعاقبةُ للمتقينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، وأشهدُ ألاَّ إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، الموصوفُ بصفاتِ الجلالِ، المنعوتُ بنعوتِ الكمالِ، المنَزَّهُ عمَّا يضادُّ كمالِه من سلبِ حقائقِ أسمائِهِ وصفاتِهِ، المستلزمِ لوصْفِه بالنقائصِ وشَبَهِ المخلوقين، فنفْيُ حقائقِ أسمائِهِ متضمنٌ للتعطيلِ والتشبيهِ، وإثباتُ حقائقِها على وجهِ الكمالِ الذي لا يستحقه سواه هو حقيقةُ التوحيدِ والتنزيه، فالمعطِّلُ جاحدٌ لكمالِ المعبودِ، والممثِّلُ مشَبِّهٌ له بالعبيدِ، والموحِّدُ مبينٌ لحقائقِ أسمائِهِ وكمالِ أوصافِهِ، وذلك قطبُ رحى التوحيدِ، فالمعطِّلُ يعبدُ عَدَمًَا، والممثلُ يعبدُ صنمًا، والموحِّدُ يعبدُ ربًا ليس كمثلِهِ شيءٌ، له الأسماء الحسنى، والصفاتُ العلى، وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأمينُه على وحيه، وخيرتُه من خلقه، وحجتُه على عبادِه، فهو رحمتُهُ المهداةُ إلى العالمين، ونعمتُه التي أتمَّها على أتباعه من المؤمنين» (١)
_________
(١) من مقدمة الحافظ ابن القيم لكتابه «الصواعق المرسلة»
1 / 7
أمَّا بعد:
[[فهذه هي الطبعة الثانية من كتاب «صِفَاتِ اللهِ ﷿ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ» بعد مرور سبع سنوات على الطبعة الأولى، استدركت فيها بعض الجمل والكلمات، وأضفت عددًا من الأدلة لبعض الصفات، كما أضفت عددًا من الصفات وهي: استطابة الروائح، الإِيجاب والتحليل والتحريم، البَطْش، التَّجَلِّي، التَّدَلِّي، التشريع، الدِّلالة أو الدَّلِيل، الدَّيَّان، العَمَل والفِعْل، القرآن، الهُبُوط، الوَصْل والقَطْع.
أمَّا أسماء الله الحسنى فقد أضفت ثلاثة أسماء ترجَّح لي بالدليل أنها من أسماء الله ﷿ وهي: الدَّيَّان والمقيت والهادي، وتوقفت في اسمين فلم أُوردهما في هذه الطبعة وهما: العالم والوارث.
وأخيرًا فإني أشكر الله ﷿ الذي تَمَّمَ هذا الكتاب وأعان عليه، ثم أشكر كلَّ الأخوة الذين قاموا بمقابلة هذه الطبعة بسابقتها، فمن لم يشكر الناس لم يشكرِ الله.]] (*)
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه
أبو محمد
علوي بن عبد القادر السَّقَّاف
البريد الإلكتروني
aasaggaf@hotmail.com
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين معكوفتين، ورد بدلا منه في النسخة المصورة (وهي للطبعة الثالثة، ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٦ م):
[[فهذه هي الطبعة الثالثة من كتاب «صفَاتِ اللهِ ﷿ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسنةِ» تمَّ فيها تصحيح الأخطاء المطبعية في الطبعة الثانية، وتعديلات يسيرة في المبحث الأول والثالث والرابع.]]
1 / 8
مقدمة الطبعة الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، مَن يهدهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ ألاَّ إله إلاَّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه؛
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وأنْتُمْ مُسْلمُون﴾ [آل عمران: ١٠٢] .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ -٧١] .
أما بعد؛ فإنَّ خيرَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اعلم - رحمني الله وإياك - أن النبي ﷺ أمرنا أن
1 / 9
نسأل الله علمًا نافعًا، ونتعوذ به من علم لا ينفع، فقال فيما رواه عنه جابر بن عبد الله ﵁: «سلوا الله علمًا نافعًا، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع» (١) وكان ﷺ يعلمنا ذلك، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» (٢) .
واعلم أن أنفع العلوم علم التوحيد، ومنه علم الأسماء والصفات، وذلك لأن «شرف العلم بشرف المعلوم، والباري أشرف المعلومات؛ فالعلم بأسمائه (وصفاته) أشرف العلوم» (٣) .
و«العلم النافع ما عرَّف العبدَ بربه، ودلَّه عليه حتى عرفه ووحَّده وأنس به واستحى من قربه وعَبَده كأنه يراه» (٤) .
«فأصل العلم بالله الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والأنس به والشوق إليه، ثم يتلوه العلم بأحكام الله، وما يحبه ويرضاه من العبد من
_________
(١) حديث حسن. رواه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (٩١٧١)، وابن ماجه (٣٨٤٣)، وأبو يعلى في «المسند» (١٩٢٧)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (١/١٦٢)، والبيهقي في «الجامع لشعب الإيمان» (١٦٤٤) . وانظر تخريجه في «السلسلة الصحيحة» للألباني (١٥١١) .
(٢) رواه مسلم (٢٧٢٢) من حديث زيد بن أرقم ﵁.
(٣) أحكام القرآن (٢/٩٩٣) لابن العربي، وزيادة: «وصفاته»: من عندي.
(٤) «فضل علم السلف على الخلف» (ص ٦٧) لابن رجب.
1 / 10
قول أو عمل أو حال أو اعتقاد، فمن تحقق بهذين العلمين كان علمه نافعًا، وحصل له العلم النافع والقلب الخاشع والنفس القانعة والدعاء المسموع، ومن فاته هذا العلم النافع، وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي ﷺ، وصار علمه وبالًا وحجة عليه، فلم ينتفع به؛ لأنه لم يخشع قلبه لربه، ولم تشبع نفسه من الدنيا، بل ازداد عليها حرصًا ولها طلبًا ولم يُسمع دعاؤه؛ لعدم امتثاله لأوامر ربه وعدم اجتنابه لما يسخطه ويكرهه، هذا إن كان علمه علمًا يمكن الانتفاع به، وهو المتلقي عن الكتاب والسنة، فإن كان متلقي عن غير ذلك؛ فهو غير نافع في نفسه، ولا يمكن الانتفاع به، بل ضره أكثر من نفعه» (١)
و«العلم النافع يدل على أمرين:
أحدهما: على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته ومحبته ورجاءه والتوكل عليه والرضا بقضائه والصبر على بلائه.
والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال.
_________
(١) المصدر السابق (ص ٦٩) .
1 / 11
فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه والتباعد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا؛ فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعًا، ووقر في القلب؛ فقد خشع القلب لله، وانكسر له وذل هيبة وإجلالًا وخشية ومحبة وتعظيمًا، ومتى خشع القلب لله وذل وانكسر له؛ قنعت النفس بيسير الحال من الدنيا، وشبعت به، فأوجب لها ذلك القناعة والزهد في الدنيا، وكل ما هو فان لا يبقى، من المال والجاه وفضول العيش الذي ينقص به حظ صاحبه عند الله من نعيم الآخرة وإن كان كريمًا على الله» (١)
ولذلك قال ابن القيم:
«إن أولى ما يتنافس به المتنافسون، وأحرى ما يتسابق في حَلْبَة سباقه المتسابقون: ما كان بسعادة العبد في مَعاشه ومَعاده كفيلًا، وعلى طريق هذه السعادة دليلًا، وذلك العلم النافع، والعمل الصالح، اللذان لا سعادة للعبد إلا بهما، ولا نجاة له إلا بالتعلق بسببهما، فمن رُزِقَهما؛ فقد فاز وغنم، ومن حُرِمهما؛ فالخير كله حُرِم، وهما مورد انقسام العباد إلى مَرْحوم ومَحْروم، وبهما يتميز البَرٌ من الفاجر، والتقيُّ من الغوِيِّ، والظالم من المظلوم، ولما كان العلم للعمل قرينًا وشافعًا، وشرَفه لشرف معلومه تابعًا؛
_________
(١) المصدر السابق (ص ٦٤-٦٥) .
1 / 12
كان أشرف العلوم على الإطلاق علم التوحيد، وأنفعُها علم أحكام أفعال العبيد، ولا سبيل إلى اقتباس هذين النورين وتلقِّي هذين العلمين إلا من مشكاة من قامت الأدلة القاطعة على عصمته، وصرَّحت الكتب السماوية بوجوب طاعته ومتابعته، وهو الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى» (١) .
لذلك فقد أفرد كثير من السلف في هذا الباب كتبًا ومصنفات، وخاصة في أسماء الله ﷿؛ إحصاءًا وشرحًا (٢)؛ إلا أنه - ومع هذه الكثرة - لا أعرف كتابًا أحصى وخَصَّ صفاتِ الله ﷿ بالذكر والتدليل والشرح على المعتقد السلفي؛ معتقد أهل السنة والجماعة؛ كما هو الحال في أسماء الله تعالى، وإن كانت هناك كتبٌ قد أوردت جملة من الصفات لا على سبيل الإحصاء والحصر؛ مثل: «كتاب السنة» لابن أبي عاصم (ت ٢٨٧هـ) و«كتاب التوحيد» لإمام الأئمة ابن خزيمة (ت ٣١١هـ) و«كتاب التوحيد» للحافظ ابن منده (ت ٣٩٥هـ)، وكتاب «إبطال التأويلات لأخبار الصفات» للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين
_________
(١) «أعلام الموقعين» (١/٥) .
(٢) أورد جملة من هذه الكتب أخونا الفاضل محمد الحمود في «النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى» (١/١١)؛ فلتراجع.
1 / 13
بن الفراء (ت ٤٥٨هـ) - على هفواتٍ فيه -، و«كتاب الحجة في بيان المَحجَّة» لقَوَّام السُّنَّة الأصبهاني (ت ٥٣٥هـ)، وكتاب «قطف الثمر في بيان معتقد أهل الأثر» لصديق حسن خان (ت ١٣٠٧هـ) ... وغيرها. أما كتاب «الأسماء والصفات» للبيهقي (ت ٤٥٨هـ)؛ ففيه تأويلاتٌ كثيرةٌ، تخرجه عن هذه الدائرة.
وكنت كلما وَقَعَتْ عيني على ذكر صفة من صفات الله ﷿ والذاتِيَّة خاصة - مقيدة أو مشروحة في كتاب؛ قيدت ذلك، حتى أصبحت عندي جملة من صفات الله الذاتِيَّة والفعليَّة، فهممت أن أنشرها، لكني لما تفكرت في الأمر، ووجدت أن هذا أول مصنف خاص بصفات الله ﷿؛ رأيت أن يكون شاملًا، فعكفت على آي القرآن الكريم؛ مستخرجًا كل صفة لله ﷿ فيه، ثم ثنيَّت بكتب السنة المشهورة؛ كـ «الصحيحين» و«السنن الأربعة» و«المسند» للإمام أحمد وغيرها، وما تركت فيها صفة أضيفت إلى الله ﷿ إلا وقيدتها، ثم طفقت أبحث في كتب العقيدة، مستخرجًا أقوال السلف وفهمهم لها، وهكذا ظللت فترة طويلة كلما سنحت فرصة أقرأ وأستخرج وأقيد، حتى اطمأنت نفسي إلى أن هذا كل ما يمكن عمله، فجمعتها ورتبتها على حروف الهجاء، وسلكت سبيل الحافظ ابن منده في «كتاب التوحيد» (الجزء الثاني من
1 / 14
المطبوع) الخاص بأسماء الله تعالى، فهو ﵀ قد رتَّب هذه الأسماء على حروف الهجاء، واستشهد لكل اسم بدليل أو أكثر من القرآن الكريم ثم بدليل أو أكثر من السنة، وذكر بعض أقوال السلف في ذلك؛ فاستهوتني هذه الطريقة، ورأيت فيها من الترتيب والتنسيق ما يسهل على القارئ الكريم الرجوع إلى الصفة بأسهل طريق؛ غير أنني خالفت هذا الترتيب في موضعين اثنين، فابتدأت الصفات بصفة (الأولِيَّة)، وختمتها بصفة (الآخرِيَّة)؛ مراعاة لحسن الاستهلال وحسن الختام، ولي سلفٌ في ذلك.
وإني اشترطت على نفسي ألاَّ أُورد إلا حديثًا ثابتًا عن النبي ﷺ، وأكتفي بما رواه البخاري ومسلم أو أحدهما بما تثبت الصفة به، فإن لم أجد؛ أوردتُ حديثًا أو أكثر من غيرهما، واشترطت ألا أثبت صفة إلا وأُورد من أثبتها من سلف هذه الأمة؛ إلا أن يكون دليلها من الكتاب أو السنة ظاهر الدلالة.
وكان عملي في الكتاب كما يلي:
١- أحصيت جميع الصفات الذاتِيَّة: الخبرية منها؛ كالوجه واليدين والأصابع والساق والقدمين وغيرها، والسمعية العقلية؛ كالحياة والقدرة والعلم وغيرها.
1 / 15
٢- أحصيت جميع الصفات المشتقة من أسماء الله تعالى: الذاتِيَّة منها؛ كالسمع والبصر والعزة والعظمة وغيرها، والفعليَّة؛ كالخلق والرزق والستر وغيرها، وبهذا أكون قد أحصيت أسماء الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة، ونبهت على ذلك؛ كما أنني نبهت على ما يُظن أنه من أسماء الله تعالى، وأخطأ فيه أقوام، وهو ليس كذلك، ولا يجوز التعبد به، كالصبور، والناصر، والسَّتَّار، ونحوها.
٣- أحصيت جميع الصفات الفعليَّة الخبرية؛ كالضحك، والبشبشة والغضب والحب والبغض والكيد والمكر وغيرها، وبعضًا من الصفات السمعية، أما بقية الصفات الفعليَّة - السمعية العقلية -؛ فهذه لا منتهى لها، وأنَّى لأحدٍ أن يحصيها، ﴿وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ﴾ .
٤- أوردت ما ليس بصفة لله ﷿ ويصح الإخبار عن الله به؛ كلفظة (شيء)، و(ذات) و(شخص)، ونحوها؛ لثبوتها بالدليل، وللتمييز بينها وبين الصفة.
٥- أوردت ما ليس بصفة، ويصح الإخبار عن الله به بعد التفصيل؛ كلفظة (الجهة) و(الحركة)، مع التنبيه على أن الأولى استخدام اللفظ الشرعي؛ كالعلو والنُّزُول، لثبوته بالدليل؛ بدلًا من هذا اللفظ المجمل الحادث.
1 / 16
٦- أوردت ما ثبتت إضافته إلى الله ﷿ وظنَّه بعضهم إضافة صفة إلى موصوف، وهو ليس كذلك؛ كـ (الجنب) و(الظل)، ونبهت على ذلك، وجعلت هذه الثلاثة الأخيرة مسبوقة بهذه العلامة [-]، لتتميز عن الصفات الثابتة بالكتاب والسنة، أمَّا ما لم يثبت في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة، وإن عده بعضهم صفة لله ﷿؛ كـ (الساعد) و(الاستلقاء) ونحوهما؛ فلم أورده في هذا الكتاب؛ لأنه ليس على شرط التأليف.
٧- حرَّرت بعض المسائل التي وقع فيها الخلاف من قديم؛ مثل: هل
يوصف الله بأن إحدى يديه شمال، أم أن كلتاهما يمين لا شمال فيهما؟ وهل يثبت لله اسم المحسن أم لا؟ وغيرها من المسائل.
٨- قدَّمت الصفات بأربع مباحث:
أ - المبحث الأول في (معنى الاسم والصفة والفرق بينهما) .
ب - المبحث الثاني في (قواعد عامة في الصفات)، ذكرت فيه إحدى وعشرين قاعدة، مدار الصفات جميعها عليها.
ج - المبحث الثالث في (أنواع الصفات) .
د - المبحث الرابع في (ثمرات الإيمان بصفات الله ﷿ .
1 / 17
وقد عرضته على عددٍ من العلماء وطلاب العلم، فاستحسنوه، ومازلتُ أحذفُ منه وأضيف أخذًا برأي هذا وبنصيحة ذا، حتى ظهر بالصورة التي تراها بين يديك، وإني لأشكر وأدعو الله بظهر الغيب كل من خدم هذا الكتاب وساهم في نشره، وأسأل الله ﷿ أن ينفع به كاتبه ومراجعه وقارئه.
وقد سميته: «صِفَاتِ اللهِ ﷿ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ» .
فما كان فيه من صواب؛ فهو بتوفيق الله ﷿، وما كان فيه من خطأ ومجانبةٍ للصواب؛ فإني أبرأ إلى الله منه، وأنا راجعٌ عنه إلى ما وافق الحق وأما أنت أيها القاريء الكريم؛ فاضرب به عرض الحائط، ولا تلتفت إليه، ولا تنسبه إليَّ؛ فقد أبى الله أن يتمَّ إلا كتابه.
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 / 18
المبحث الأول
معنى الاسم والصفة والفرق بينهما
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وردت هذه الصفحة في المصورة (الطبعة الثالثة)، هكذا:
الصفة والوصف والنعت بمعنى واحد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الصفة والوصف تارة يراد به الكلام الذي يوصف به الموصوف كقول الصحابي في (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ): أحبها لأنها صفة الرحمن، وتارة يراد به املعاني التي دلَّ عليها الكلام: كالعلم والقدرة، والجهمية والمعتزلة وغيرهم تنكر هذه وتقول إنما الصفات مجرد العبارة التي يعبر بها عن الموصوف، والكلابية ومن اتبعهم من الصفاتية قد يفرقون بين الصفة والوصف فيجعلون الوصف هو القول والصفة المعنى القائم بالموصوف، وأما جماهير
الناس فيعلمون أن كل واحدٍ من لفظ الصفة والوصف مصدر في الأصل كالوعد والعِدة، والوزن والزِّنة، وأنه يراد به تارة هذا وتارة هذا» (١)
والنعت لغة بمعنى الصفة، قال ابن فارس: «الصفة: الأمارة اللازمة للشيء» (٢)، وقال: «النعت: وصفك الشيء بما فيه من حسن» (١) .
وانظر: «النعت» (ص ٣٤٥)
_________
(١) مجموع الفتاوى (٣/ ٣٣٥)
(٢) معجم مقاييس اللغة (٥/ ٤٤٨) .
1 / 19
الاسم: «هو ما دل على معنى في نفسه» (١)، و«أسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها» (٢)
[[«وقيل: الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل» (٣) .
الصفة: «هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات ... وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يُعرف بها» (٤)، «وهي ما وقع الوصف مشتقًا منها، وهو دالٌ عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه» (٥) .
وقال ابن فارس: «الصفة: الأمارة اللازمة للشيء» (٦)، وقال: «النعت: وصفك الشيء بما فيه من حسن» (٧) .
الفرق بين الاسم والصفة:]] (*)
سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية عن الفرق بين الاسم والصفة؟ فأجابت بما يلي:
«أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به؛ مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع، البصير؛ فإن هذه الأسماء دلَّت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر، أما الصفات؛ فهي نعوت الكمال القائمة بالذات؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر؛ فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم ...» (٨) .
ولمعرفة ما يُميِّز الاسم عن الصفة، والصفة عن الاسم أمور، منها:
أولًا: «أن الأسماء يشتق منها صفات، أما الصفات؛ فلا يشتق منها أسماء، فنشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم، صفات الرحمة والقدرة والعظمة، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والماكر» (٩) .
_________
(١) «التعريفات» للجرجاني (ص٢٤) .
(٢) «مجموع الفتاوى» (٦/١٩٥) .
(٣) «الكليات» لأبي البقاء الكفوي (ص ٨٣) .
(٤) «التعريفات» (ص ١٣٣) .
(٥) «الكليات» (ص٥٤٦) ويعنى بالوصف هنا الاسم؛ فالعلم صفة، والعالم وصف دال عليها، والقدرة صفة، والقادر وصف دال عليها.
(٦) «معجم مقاييس اللغة» (٥/٤٤٨) .
(٧) المصدر السابق (٦/١١٥) .
(٨) «فتاوى اللجنة الدائمة» (٣/١١٦-فتوى رقم ٨٩٤٢) .
(٩) انظر: القاعدة الثامنة.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين [[معكوفين]] ليس في المصورة (الطبعة الثالثة)
1 / 20
فأسماؤه ﷾ أوصاف؛ كما قال ابن القيم في «النونية»:
أسماؤُهُ أوْصافُ مَدْحٍ كُلُّها ... مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعان
ِ
ثانيًا: «أن الاسم لا يُشتق من أفعال الله؛ فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب، أما صفاته؛ فتشتق من أفعاله فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال، لذلك قيل: باب الصفات أوسع من باب الأسماء» (١) .
ثالثًا: أن أسماء الله ﷿ وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها (٢)، لكن تختلف في التعبد والدعاء، فيتعبد الله بأسمائه، فنقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، لكن لا يُتعبد بصفاته؛ فلا نقول: عبد الكرم، وعبد الرحمة، وعبد العزة؛ كما أنه يُدعى اللهُ بأسمائه، فنقول: يا رحيم! ارحمنا، ويا كريم! أكرمنا، ويا لطيف! الطف بنا، لكن لا ندعو صفاته فنقول: يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو:يا لطف الله! ذلك
_________
(١) انظر: «مدارج السالكين» (٣/٤١٥) .
(٢) انظر: القاعدة الثانية عشرة
1 / 21
أن الصفة ليست هي الموصوف؛ فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفةٌ لله، وكذلك العزة، وغيرها؛ فهذه صفات لله، وليست هي الله، ولا يجوز التعبد إلا لله، ولا يجوز دعاء إلا الله؛ لقوله تعالى: ﴿يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: ٥٥]، وقوله تعالى ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر:٦٠] وغيرها من الآيات (١) .
_________
(١) انظر: «فتاوى الشيخ ابن عثيمين» (١/٢٦-ترتيب أشرف عبد المقصود)، وقد نسب هذا القول لشيخ الإسلام ابن تيمية، لكن ينبغي هنا أن نفرق بين دعاء الصفة كما سبق وبين دعاء الله بصفة من صفاته؛ كأن تقول: اللهم ارحمنا برحمتك، فهذا لا بأس به. والله أعلم.
1 / 22
المبحث الثاني
قواعد عامَّة في الصفات
القاعدة الأولى:
«إثباتُ ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله ﷺ؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل» (١) .
لأن الله أعلم بنفسه من غيره، ورسوله ﷺ أعلم الخلق بربه.
القاعدة الثانية:
«نفيُ ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله ﷺ، مع اعتقاد ثبوت كمال ضده لله تعالى» (٢) .
لأن الله أعلم بنفسه من خلقه، ورسوله أعلم الناس بربه؛ فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته، ونفي الظلم يتضمن كمال عدله، ونفي النوم يتضمن كمال قيُّوميَّته.
_________
(١) «عقيدة السلف أصحاب الحديث» للصابوني (ص ٤)، «مجموع الفتاوى» (٣/٣، ٤/١٨٢، ٥/٢٦، ٦/٣٨، ٦/٥١٥)
(٢) «العقيدة التدمرية» لابن تيمية (ص ٥٨)، «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» له أيضًا (٣/١٣٩) .
1 / 23
القاعدة الثالثة:
«صفات الله ﷿ توقيفية؛ فلا يُثبت منها إلا ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته
له رسوله ﷺ، ولا يُنفى عن الله ﷿ إلا ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله ﷺ) (١) .
لأنه لا أحد أعلم بالله من نفسه تعالى، ولا مخلوقٌ أعلم بخالقه من رسول الله ﷺ.
القاعدة الرابعة:
«التوقف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها، أما معناها؛ فَيُسْتفصل عنه، فإن أريد به باطل يُنَزَّه الله عنه؛ رُدَّ، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله؛ قُبِلَ، مع بيان ما يدلُّ على المعنى الصواب من الألفاظ الشرعية، والدعوة إلى استعماله مكان هذا اللفظ المجمل الحادث» (٢) .
مثاله: لفظة (الجهة): نتوقف في إثباتها ونفيها، ونسأل قائلها: ماذا تعني بالجهة؟ فإن قال: أعني أنه في مكان يحويه. قلنا: هذا معنى باطل يُنَزَّه الله عنه، ورددناه. وإن قال: أعني جهة العلو المطلق؛ قُلْنا: هذا حق لا يمتنع على الله. وقبلنا منه المعنى، وقلنا له: لكن الأولى أن تقول: هو في
_________
(١) «مجموع الفتاوى» (٥/٢٦) .
(٢) «التدمرية» (ص ٦٥)، «مجموع الفتاوى» (٥/٢٩٩ و٦/٣٦) .
1 / 24
السماء، أو في العلو؛ كما وردت به الأدلة الصحيحة، وأما لفظة (جهة)؛ فهي مجملة حادثة، الأولى تركها.
القاعدة الخامسة:
«كل صفة ثبتت بالنقل الصحيح؛ وافقت العقل الصريح، ولابد» (١) .
القاعدة السادسة:
«قطع الطمع عن إدراك حقيقة الكيفية» (٢)؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ
بِهِ عِلْمًا﴾ .
القاعدة السابعة:
«صفات الله ﷿ تُثبت على وجه التفصيل، وتنفى على وجه الإجمال» (٣) .
فالإثبات المفصل؛ كإثبات السمع والبصر وسائر الصفات، والنفي المجمل كنفي المثلية في قوله تعالى: ﴿ليسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ .
_________
(١) «مختصر الصواعق المرسلة» (١/١٤١، ٢٥٣) .
(٢) «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات» لمحمد الأمين الشنقيطي (ص٢٦) .
(٣) «مجموع الفتاوى» (٦/٣٧ و٥١٥) .
1 / 25