أثر التوجيه الشرعي في الدلالة اللغوية لبعض المناهي اللفظية
أثر التوجيه الشرعي في الدلالة اللغوية لبعض المناهي اللفظية
خپرندوی
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
د ایډیشن شمېره
العدد ١٢٨-السنة ٣٧
د چاپ کال
١٤٢٥هـ
ژانرونه
المقدمة
الحمد لله الذي جعل اللسان العربيّ أداة كتابه العزيز، وجعله حافلا بالنفع والقول الوجيز، وأصلي وأسلم على منْ دعا إلى تعلّم لغات الآخرين؛ اتّقاءً لمكرهم، وخشية التمكين والتعزيز، - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين -، وبعد:
فإنّ من الظواهر اللُّغوية التي حظيت باهتمام اللغويين العرب: ظاهرة (الاقتراض اللغوي)، والتي تعني: العملية التي تأخذ فيها لغة (ما) بعض العناصر اللغوية للغة أخرى. ومحاولة نسخ صورة مماثلة لنمط لغوي لإحدى اللغات في لغة أخرى (١) .
وهذه الدلالة لـ (الاقتراض اللغوي) دلالة مجازية؛ لأن حقيقة الاقتراض: أن يأخذ المرء شيئا من آخر؛ لينتفع به فترة من الزمن ثم يعيده إلى صاحبه. وليس كذلك الاقتراض بين اللغات؛ لأن اللغة التي تقترض لفظا من لغة أخرى لا تحرم صاحبة اللفظ من استعماله، ولا تعيده إليها (٢) .
والمقصود بـ (الاقتراض اللغوي) في هذا البحث: المفردات المُعرّبة والدخيلة التي أضيفت إلى القاموس العسكري من مفردات لغات أجنبية، كان المُعرّب فيها خاضعا للقوانين الصوتية العربية؛ مما يسهّل النطق بها، ويسهّل انتشارها. وكان الدخيل فيها مستعملا بلفظه الأجنبي دون خضوع للقوانين الصوتية العربية.
_________
(١) الألفاظ العربية المقترضة في العبرية الدارجة: ١٠٣.
(٢) اللغات يقترض بعضها من بعض: ٦٦.
1 / 451
وقد حدث الاقتراض اللغوي عن طريق الاحتكاك بالشعوب الأخرى: لُغويا وسياسيا وماديّا (١)، الأمر الذي أدّى إلى دخول كثير من المفردات الأجنبية في اللغة العربية - خاصة الفارسية والسريانية والتركية - (٢) وذلك عن طريق الجوار والمخالطة؛ لأنّ العرب كانوا قبائل عديدة متفرقة، يخالطون جميع الأقوام المجاورين لهم: فتغْلب واليمَن كانوا مجاورين لليونان، وبَكْر للقبْط والفُرس، وعبد القيس وأزْد عُمَان كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفُرس، وأهل اليمن كانوا مختلطين مع الهند والحبشة، وثقيف وأهل الطائف كانوا مخالطين لتجّار اليمن المقيمين عندهم (٣) . وكان من نتائج ذلك الجوار وتلك المخالطة: أن حلّت العربية محل الآرامية والفارسية في العراق، وقهرت العربية كلا من: السريانية واليونانية في الشام. كما حلّت العربية محل القبطية في مصر، ومحل البربريّة في معظم نواحي المغرب (٤) . ولا يعني ذلك: أن اللغة العربية هي صاحبة الاستقلال بالاقتراض اللغوي؛ إذ من المعلوم أنّ اقتراض المفردات يُعتبر حركة طبيعية لأية لغة يُراد لها أن تتطور وتنمو (٥)، فقد أقرضت اللغة العربية غيرها من اللغات أشياء كثيرة، واقترضت من غيرها أشياء كثيرة كذلك، وهذه أهمّ ملامح اللغات الحيّة الفاعلة (٦) .
_________
(١) فقه اللغة، علي عبد الواحد وافي: ١٩٣.
(٢) دور أساتذة اللغات الشرقية في قضية التعريب: ٢٤، وعلم اللغة، علي عبد الواحد وافي: ٢٣٩.
(٣) المزهر: ١/٢١٢.
(٤) اللغات يقترض بعضها من بعض: ٦٧.
(٥) دراسات لغوية: القياس في الفصحى - الدخيل في العامية: ٢٩٤.
(٦) عن اللغة والأدب والنقد: ٥٩.
1 / 452
وأقرب دليل على ذلك: أنّ اللغة العربية التي تأثرت بمجموعة من الألفاظ الفارسيّة، قد أمدّت اللغة الفارسية وغيرها من اللغات الشرقية كالأُورديّة والتركية. بل إنّ معاجم الفرس تحوي أكثر من أربعين بالمئة من الألفاظ العربيّة. وهذا التبادل اللغوي لا يعيب العربيّة، كما لا يعيب الفارسيّة؛ إذ غدت كل لغة مُزدانة بأفانينَ من أطايب لغات جاراتها (١) .
وعلى الرغم من كون الاقتراض اللغوي ظاهرة لغوية عالميّة لا تكاد تستغني عنها لغة أي أمة (٢)، إلا إنّ ثمّة مخاطر تنجم عن هذه الظاهرة في اللغة العربية، منها: ضياع القيمة التعبيريّة للجذر العربي، وتغيير البنية الصوتية العربية بإدخال أصوات غريبة عنها، وإرباك المعجميّة العربيّة، وغموض معنى المقتَرض في معاجمنا، وصعوبة ضبط اللفظ المعَرّب، وخرق القواعد الصرفية العربية، وتضييع خصائص اللغة العربية (٣) .
ولكن يبقى للاقتراض اللغوي بشقّيه: المعرَّب والدخيل أثره الفاعل قديما وحديثا، ودوره الإيجابي في مسايرة الحياة والحضارة؛ حيث ظهرت مستحدثات لم يكن للعرب ولا للغتهم عهد بها من قبل، في ميادين الاقتصاد والصناعة والزراعة والتجارة والعلوم والفلسفة والدين والأدب والسياسة (٤)، ناهيك عن تطوّر المعدّات الحربيّة والقتاليّة التي أصبحت قوام الحياة العسكريّة في العصر الحديث، مما كان له أكبر الأثر في التطّور الذي طرأ على المفردات العسكريّة
_________
(١) معجم المعربات الفارسية: (المقدمة ل) .
(٢) اللغة العربية بين التأثر والتأثير: ١٤١.
(٣) مخاطر الاقتراض اللغوي على العربية: ٢٥- ٣٣.
(٤) فقه اللغة، علي عبد الواحد وافي: ١٩٤
1 / 453
بحكم التواصل المعرفي، والتطوّر الحضاري، والاحتكاك بالشعوب الأخرى عن طريق الزيارات العسكريّة، والمناورات القتاليّة، وشراء المعدّات الحربيّة، والإسهام في خوض المعارك، وأقرب دليل على ذلك: ما كان في حرب تحرير الكويت، إذ تحقق فيه ما أشير إليه من قبل.
وكان من نتائج ذلك كله: إضافة معاني جديدة إلى المفردات العسكريّة، بعضها ُمكتَسَب، والبعض الآخر له دلالته القديمة، إما في أصل وضعه لتلك الدلالة، وإما عن طريق الاقتراض اللُغوي من لغات أخرى. ومن هذه المفردات العسكريّة ما تضمّنه هذا البحث المتواضع من مفردات داخلها الاقتراض اللُّغوي من مُعرَّب أو دخيل، بعضها قديم في وضعه ودلالته، مثل: (البُنْدُق، الجَوْرب، الخندَق، السِرْداب، الرَّصاص، العسكر، المُناوِب، المَِنْجَنيق) . ومنها ما بقي لفظه وتغيّر معناه، مثل: (البُصْطار، الخُوذة، الطِربال، القُبُوع، القيافة، الكَمَر، المِنَصَّة) . ومنها ما هو دخيل ومُحْدَث، مثل: (البارود، الجَوَنْتي، القايش، المُسدَّس، الوُرْنيك) .
وفي الختام: فإني أعترف بقلة البضاعة، وضعف الخبرة باللغات الأخرى. وحسبي أني ناقل ومجتهد في هذا البحث المتواضع، فما كان من توفيق وسداد فمن الله، وما كان من نقص وزلل فمن نفسي والشيطان.
والحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
1 / 454
الاقتراض اللغوي وأثره في بعض المفردات العسكريّة
* البارود:
إنّ من الأدوات المشترَكة بين الاستخدام العسكري والاستخدام المدني، وبين مواطن الحرب والسِلم: استخدام (البارود)، والذي هو: اسم لما يُركَّب من الملح والفحم والكبريت. ويُعرف عند أهل العراق بالمُستَعمَل في أعمال النار المتصاعدة والمتحرّكة، مما يزيدها خِفّة وسرعة التهاب (١) .
وقد قيل: إنّ العرب هم الذين اخترعوا بارود المدفع؛ ليسهّل الانفجار، وذلك في العصر المملوكي (٢) . أما أول من استخرجه للجِلاء بالتقطيع، ولتحريك الأثقال وتغيير المعادن فهو الطبيب (جالينوس الصِقلِّي) (٣) .
إما البداية الحقيقيّة لاستخدام (البارود) في القتال فقد كانت عام (١٣٤٦م) عندما استخدم (إدوارد الثالث ملك انجلترا) مدافع بدائيّة كثيرة الأعطال، ضعيفة التأثير (٤) .
و(البارود) لفظ موَلَّد من البِرادة؛ لشبهه بها، وهذا عائد لطبيعة تركيبه من ذلك الملح والكبريت. وقد استعمله بعض الأطباء في علاج حصْر البول (٥) .
_________
(١) تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية: ٦، وسواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل: ١٨-١٩، وشفاء الغليل فيما في اللغة العربية من الدخيل: ٩٨.
(٢) موروث المصطلحات العسكرية التركية والفارسية في الجيوش العربية: ٥٢.
(٣) قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل: ٢٤٣.
(٤) إدارة الحرب الحديثة بواسطة الحاسبات الآلية: ١٧- ١٨.
(٥) شفاء الغليل: ٩٨، ومعجم الألفاظ والتراكيب المولدة في شفاء الغليل: ١٣٩، وسواء السبيل: ١٨- ١٩.
1 / 455
وقد ذكر الخفاجي (ت ١٠٦٩هـ) أنّ (البارود) بالدال المهمَلة، وأنّ استخدامه بالتاء (باروت) غلط (١) .
وقد اعتُرض على هذا الحكم من الخفاجي: بأنّ (الباروت) بالتاء غلط؛ وذلك لأنّ (البارود) إنما هو تعريب (بورتيس) باليونانيّة، وهو حجر معدني تخرج منه النار عند القَدْح. وهذه الكلمة اليونانيّة مشتقّة من (بُور) بمعنى النار، مما يجعل (الباروت) بالتاء هو الأصل، وليست تركيّة كما قال طُوبيا العُنَيْسي (٢)، وعبد الصبور شاهين (٣) .
والذي يظهر لي: أنّ (البارود) يكون بالدال المهملة، ويكون بالتاء (الباروت) وذلك لأنّ العرب قد استخدمت في لهجاتها كلمات وردت بالدال تارة، وبالتاء تارة أخرى، من ذلك قولهم: (رجُل ِصْنِديد وصِنْتيت): إذا كان كريما (٤)، وقولهم: قَرَت الدمُ، وقَرِد الشيءُ (٥) . وقد تعاقبت التاء والدال في كثير من كلام العرب (٦) .
ومثل هذا التصرُّف في إبدال حروف بعض كلمات العرب، يحدث الإبدال - أيضا - في حروف الكلمات المُعَرّبَة التي تنقلها العرب إلى لغتهم؛ لأنّ العرب «كثيرا ما يجترئون على تغيير الأسماء الأعجميّة إذا استعملوها، فيبدلون الحروف
_________
(١) شفاء الغليل: ٩٨، وقصد السبيل: ٢٤٣.
(٢) تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية: ٦، وسواء السبيل: ١٨ـ١٩.
(٣) انظر كتابه: دراسات لغوية: ٣١٢.
(٤) الإبدال، لأبي الطيب اللغوي: ١/١٠٧.
(٥) الخصائص: ٢/١٥٨.
(٦) ينظر: الإبدال، لابن السكيت:٥٣، والإبدال، للزجاجي: ٤٢.
1 / 456
التي ليست من حروفهم إلى أقربهامخرجا. وربما أبدلوا ما َبُعد مخرجُه أيضا. والإبدال لازم؛ لئلا يدخلوا في كلامهم ماليس من حروفهم. وربما غيّروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب، وهذا التغييريكون بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف ...» (١) . وكما يقول ابن جني: «ولكنّهم إذا اشتقّوا من الأعجمي خلَّطوا فيه؛ لأنّه ليس من كلامهم فاجترءوا عليه فغيّروه» (٢) .
كما إني أميل إلى استخدام (الباروت) بالتاء؛ لأنّ صوت التاء المهموس (٣) يناسب طبيعة البارود؛ إذ أصل البارود في اللغة الإنجليزيّة: (Gun Powder)، ومن المعلوم أنّ طبيعة (البودرة) الخفة والسرعة؛ إذ لايمكن أن نساوي صوت وأثر البارود بصوت وأثر المتفجرات الأخرى. كما إنّ لاستخدام التاء في (الباروت) نظائر أعجميّة، مثل: (هاروت، ماروت) (٤) .
وإذا كان هذا الرأي وهذا التعليل مقبولا، فإني لا أقصد باستخدام التاء في لفظة (الباروت) الحصر والتخصيص مما يضفي عليها الإطلاق والتعميم، وإنما المراد أنّ استخدام التاء فيه مناسبة للاستخدامات العصريّة، مثل مناسبات الأفراح، ومواسم الصيد وما شاكلها. أما استخدامه بالدال (البارود) ففيه مناسبة للتطوّر الذي طرأ عليه؛ لأنّ (البارود) قد تطوّر وضعه، وتوسّعت دلالته؛ إذ أصبح أداة قتاليّة عالية المستوى، فقد تمّ تسليح القوّات البرِيّة، ومشاة البحريّة الأمريكيّة بالبارودة الآليّة طراز (١٦ M-) من عيار (٥،٥٦ملم) ذات مدى فعّال يصل (٦٤٠مترا)،
_________
(١) المعرّب، للجواليقي: ٩٤.
(٢) المنصف: ١٥٣.
(٣) الكتاب: ٤/٤٣٤.
(٤) المعرب، للجواليقي: ٦٢٩، وفقه اللغة، للثعالبي: ٣٢٥، وتفسير الخازن: ١/٦٥.
1 / 457
ويبلغ وزنها (٣،٧٢كغم) مع المخْزَن الذي يسع ثلاثين طلقة (١) .
يضاف لذلك أنّ (البارود) قد تحوّل من معناه الضيّق الدال على مكوّناته من ملح وفحم وكبريت، إلى معنى أعمّ من ذلك؛ إذ أصبح يطلق على البندقيّة، والتي تعرف في استعمال الشوام، وبعض القبائل البدويّة في نجْد باسم البارودة.
البُصطار: من المفردات الشائعة في الاستعمال العسكري الحديث (البُصطار)، والذي هو: حذاء يلبسه الجنود ذو ساق طويلة. وهو معرَّب (بوست) أي: جِلْد، و(آر) لاحقة للزينة مأخوذة من المصدر (آراستن) بمعنى: التزيين. والمعنى العام: جِلْد الزِينة. و(بُسطار) بالسين لغة فيه (٢)؛ وذلك لاتّحاد مخرج الصاد والسين «ومما بين طرف اللسان وفُويق الثنايا: مخرج الزاي والسين والصاد» (٣)، وكذلك اتحادهما في صفة الهمس (٤) . ومثل ذلك ما يحدث في الاستخدام اللهْجي لبعض قبائل العرب مثل: (سقَر وصَقَر) (٥) . _________ (٥) المعرب، للجواليقي:٣٩٥ـ ٣٩٦.
* البُنْدُق: إنّ من أدوات القتال القديمة والحديثة: (البندق) وهو الذي يُرمى به، واحده بُنْدُقة، والجمع البنادِق (٦) . وهو آلة من الطين أو الحجارة أو الرَّصاص (٧)، _________ (٦) اللسان (بندق): ١٠/٢٩، والصحاح (بندق): ٤/١٢٠١. (٧) موروث المصطلحات العسكرية التركية والفارسية في الجيوش العربية:٥٢، والإفصاح في فقه اللغة: ٢٩٩.
البُصطار: من المفردات الشائعة في الاستعمال العسكري الحديث (البُصطار)، والذي هو: حذاء يلبسه الجنود ذو ساق طويلة. وهو معرَّب (بوست) أي: جِلْد، و(آر) لاحقة للزينة مأخوذة من المصدر (آراستن) بمعنى: التزيين. والمعنى العام: جِلْد الزِينة. و(بُسطار) بالسين لغة فيه (٢)؛ وذلك لاتّحاد مخرج الصاد والسين «ومما بين طرف اللسان وفُويق الثنايا: مخرج الزاي والسين والصاد» (٣)، وكذلك اتحادهما في صفة الهمس (٤) . ومثل ذلك ما يحدث في الاستخدام اللهْجي لبعض قبائل العرب مثل: (سقَر وصَقَر) (٥) . _________ (٥) المعرب، للجواليقي:٣٩٥ـ ٣٩٦.
* البُنْدُق: إنّ من أدوات القتال القديمة والحديثة: (البندق) وهو الذي يُرمى به، واحده بُنْدُقة، والجمع البنادِق (٦) . وهو آلة من الطين أو الحجارة أو الرَّصاص (٧)، _________ (٦) اللسان (بندق): ١٠/٢٩، والصحاح (بندق): ٤/١٢٠١. (٧) موروث المصطلحات العسكرية التركية والفارسية في الجيوش العربية:٥٢، والإفصاح في فقه اللغة: ٢٩٩.
1 / 458
* الجَوْرب:
من الأدوات المصاحبة لـ (البُصْطار) (٥) و(الكُنْدُرة) (٦): الجَوْرَب، والذي تسمّيه العامّة: (الشُرّاب)، وهو بفتح الجيم: لِفافة الرِْجل (٧) . وقد ضمّت العامّة جيمه (٨) .
_________
(٥) انظر حرف الباء من البحث ص: ٥.
(٦) حذاء معروف، لفظه التركي: (قوندوره- - Kundura) انظر: الكلمات الدخيلة على العربية الأصيلة:٤٨٩.
(٧) القاموس المحيط: ٨٦، وتصحيح الفصيح وشرحه، لابن درستويه: ٢٧٢، وقصد السبيل: ١/٤٠٦، والتهذيب:١١/٥٣.
(٨) شرح الفصيح، للزمخشري:٢/٣٨٢.
1 / 460
وأصله: (كَوْرَب) في اللغة الفارسية، و(كَوْربا) في السريانية (١) . ومعنى (كَورَبا): قبْر الرّجْل (٢)، أو قبر القَدَم؛ لأنّ (كَوْر) معناها: قَبْر، و(با) معناها: قَدَم (٣) .
وقد علّل سيبويه (ت١٨٠هـ) إبدال الكاف في (كورب) الفارسيّة إلى الجيم (الجورب) المعرَّبة، فقال: «ويبدلون من الحرف الذي بين الكاف والجيم: الجيم؛ لقُربها منها. ولم يكن من إبدالها بدٌّ؛ لأنها ليست من حروفهم، وذلك نحو: (الجُرْبُز، والآجُر، والجَوْرَب) . وربّما أبدلوا القاف؛ لأنها قريبة أيضا، قال بعضهم: (قُرْبُز)، وقالوا: (كُرْبَقٌ، وقُرْبَقٌ») (٤) . ويقول السيوطي (ت ٩١١هـ): «فالبدل المُطَّرِد: هو في كلّ حرف ليس من حروفهم كقولهم: (كُْرْبَج) الكاف فيه بدل من حرف بين الكاف والجيم؛ فأبدلوا فيه الكاف أو القاف نحو (قُرْبَق) . أو الجيم نحو (جَوْرَب») (٥) .
وقد كثُر استعمال هذا اللفظ الأعجمي المعرَّب حتى صار كالعربي (٦) .
والذي سوّغ للعرب إبدال الكاف جيما (كَوْرَب - جَوْرَب): هو أنّ «الحروف التي يكون فيها البدل في المعرَّب عشرة: خمسة يُطَّرِد إبدالها، وهي: الكاف والجيم والقاف والباء والفاء ...» (٧) .
_________
(١) المعرب، للجواليقي: ٢٤٣، والمفصل في الألفاظ الفارسية:١٩١، ٣١٩.
(٢) معجم الألفاظ والتراكيب في شفاء الغليل: ٢٠٧.
(٣) معجم المعربات الفارسية: ٥٨.
(٤) الكتاب:٤/٣٠٥، والمخصص:١٤/٢٢١.
(٥) المزهر:١/٢٧٤، والعربية خصائصها وسماتها: ٤٧٥.
(٦) المعرب، للجواليقي: ٢٤٣.
(٧) المزهر: ١/٢٧٤.
1 / 461
كما إنّ هناك تقاربا بين مخرجي الكاف والجيم، إذ «من أسفل من موضع القاف من اللسان قليلا ومما يليه من الحنك الأعلى مخرج الكاف. ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء» (١)، ولذلك قال الجواليقي (ت٥٤٠هـ): «فيبدلون الحروف التي ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجا. وربّما أبدلوا ما بعُد مخرجه أيضا» (٢)
ويُسمى (الجَورَب) جُّرابا بالعاميّة الفارسيّة (٣)، وكذلك هو في اللغة التركية. أما في الكرديّة فهو (كُورَه)، وفي السريانية (الدَّارج) (٤) .
وجمع (الجورب): الجوارب والجواربة (٥)؛ زادوا الهاء للعجمة، ونظيره من العربية القَشَاِعَمة (٦)
_________
(١) الكتاب: ٤/٤٣٣.
(٢) المعرب: ٩٤.
(٣) معجم الألفاظ الفارسية المعربة: ٤٨.
(٤) قصد السبيل: ١/٤٠٦.
(٥) الصحاح: ١/٨٧، ومعجم المذكر والمؤنث: ١٩.
(٦) الصحاح: ١/٨٧، ومعجم الملابس في لسان العرب:٤٧.
* الجَوَنْتي: من الألفاظ الدخيلة في الاستخدام اللغوي العسكري: (الجَوَنتي)، والذي يعني: القُفّاز الأبيض. وينطق في اللغة الإيطالية والأسبانية قريبا من هذا. أما في اللغة الفرنسية فينطق (Gant) (٧) . ولكي يُضفى على هذه اللفظة صبغة عربية، ينبغي أنْ نقول: (الجَوَن)؛ لأنّ الجَوَن يعني في اللغة العربية وغيرها: اللون المطْلق. وهذا المعنى مُشْترَك في _________ (٧) دراسات لغوية: ١٤٥.
* الجَوَنْتي: من الألفاظ الدخيلة في الاستخدام اللغوي العسكري: (الجَوَنتي)، والذي يعني: القُفّاز الأبيض. وينطق في اللغة الإيطالية والأسبانية قريبا من هذا. أما في اللغة الفرنسية فينطق (Gant) (٧) . ولكي يُضفى على هذه اللفظة صبغة عربية، ينبغي أنْ نقول: (الجَوَن)؛ لأنّ الجَوَن يعني في اللغة العربية وغيرها: اللون المطْلق. وهذا المعنى مُشْترَك في _________ (٧) دراسات لغوية: ١٤٥.
1 / 462
لغات المجموعة الساميّة، إلا إنه تخصّص في اللغة العربية باللون الأسود لدى قُضَاعة، وبالأبيض لدى سائر القبائل العربية (١) .
وقيمة الإشارة إلى اللون في (الجَوَن) مناسبة-إلى حدّ ما - لـ (الجَوَنْتي)، والذي يعني: القُفّاز الأبيض دون غيره.
_________
(١) الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث: ٣٨٤ـ٣٨٤.
* الخَنْدَق: إنّ من الألفاظ الشائعة في لغة الحرب - خاصّة لدى سلاح المهندسين - لفظة (الخندق)، والذي يعني: الحَفير حول أسوار المُدن (٢) . وهذه اللفظة فارسية معرَّبَة، أصلها: (كَنْدَه) أي: المحفور (٣) . وقد تكلّمت به العرب قديما، من ذلك قول الراجز: لا تحسبنَّ الخندقَ المحفورا يدفعُ عنْك القدَرَ المقدورا (٤) . وقد مرّت هذه اللفظة المعرَّبة (الخندق) بمرحلتين صوتيتين في اللغة الفارسية، إذ كان الأصل فيه (قَنْده)، فضاعت قافه وتطوّر نطقه في الفارسية الحديثة إلى (كَنْده) (٥) بالكاف والهاء، وذلك من اختلاف اللهجات، وهو كثير في الفارسية (٦) . _________ (٢) القاموس المحيط: ١١٣٨، والإفصاح في فقه اللغة: ٢٩٩، ورسالة في الكلمات المعربة، لابن كمال باشا:٧٣٦. (٣) المزهر: ١/٢٨٠، ومعجم الألفاظ والتراكيب في شفاء الغليل:٢٣٥، والمعرب، للجواليقي: ٢٧٩، والإعداد المعنوي والمادي للمعركة:٣٣٤. (٤) المعرب:٢٧٩، واللسان (خنق): ١/٩٣، وعلم الدلالة العربي:٣٧٢. (٥) الساميون ولغاتهم:١٢٦، والمعرب:٢٨٠. (٦) التطور النحوي للغة العربية:٢١٦.
* الخَنْدَق: إنّ من الألفاظ الشائعة في لغة الحرب - خاصّة لدى سلاح المهندسين - لفظة (الخندق)، والذي يعني: الحَفير حول أسوار المُدن (٢) . وهذه اللفظة فارسية معرَّبَة، أصلها: (كَنْدَه) أي: المحفور (٣) . وقد تكلّمت به العرب قديما، من ذلك قول الراجز: لا تحسبنَّ الخندقَ المحفورا يدفعُ عنْك القدَرَ المقدورا (٤) . وقد مرّت هذه اللفظة المعرَّبة (الخندق) بمرحلتين صوتيتين في اللغة الفارسية، إذ كان الأصل فيه (قَنْده)، فضاعت قافه وتطوّر نطقه في الفارسية الحديثة إلى (كَنْده) (٥) بالكاف والهاء، وذلك من اختلاف اللهجات، وهو كثير في الفارسية (٦) . _________ (٢) القاموس المحيط: ١١٣٨، والإفصاح في فقه اللغة: ٢٩٩، ورسالة في الكلمات المعربة، لابن كمال باشا:٧٣٦. (٣) المزهر: ١/٢٨٠، ومعجم الألفاظ والتراكيب في شفاء الغليل:٢٣٥، والمعرب، للجواليقي: ٢٧٩، والإعداد المعنوي والمادي للمعركة:٣٣٤. (٤) المعرب:٢٧٩، واللسان (خنق): ١/٩٣، وعلم الدلالة العربي:٣٧٢. (٥) الساميون ولغاتهم:١٢٦، والمعرب:٢٨٠. (٦) التطور النحوي للغة العربية:٢١٦.
1 / 463
ويُستخدم (الخندق) في اللغة التركية والكردية والسريانية الدارجة بنفس النُطق، ولنفس المعنى (١) .
ولعلّ الذي يُلفت الانتباه: أنّ العرب قد نقلت هذه اللفظة الفارسية (قنْدَه أو كنْدَه) إلى (خندق)، مع أنّ القاف والكاف من حروفها المتقاربة في النطق والمخرج، كما إنّ الكاف والخاء يشتركان في صفة الهمس (٢) .إضافة لذلك فإنّ العرب قد ألِفت حروف هذه المادّة: (ك ن د) من خلال نطْق حروف لفظة (كِنْدة)، تلك القبيلة المعروفة لديهم، والتي يُعدّ نُطْقُها ووزنها الصرفي قريبا من نطق (كَنْدَه) الفارسية، والتي تعني الشيء المحفور.
_________
(١) معجم الألفاظ الفارسية:٥٧.
(٢) الكتاب:٤/٤٣٤.
* الخُوذَة: من متطلبات الحماية والوقاية في السِلْم والحرب: (الُخوذَة)، وهي التي تُوضع على الرأس عند الحرب؛ للوقاية، وتُسمى القُبَّعة الحربية، وتصنع من الجلد أو الحديد (٣) .كما تُسمّى (المِغْفَر) . وجمعُها: الخُوَذ (٤) . و(الخوذة) لفظ فارسي معرَّب (خُود) (٥) . وقد مرّ هذا اللفظ المعرَّب بمرحلتين، إذ هو في اللغة الفارسية القديمة: (خَودا)، وفي الفارسية الحديثة: (خُود وخَوْذ) (٦) . _________ (٣) معجم المعربات الفارسية: ٧٠، والملاحن، للأزدي: ٣٠، وموروث المصطلحات العسكرية: ٥٣، والإعداد المعنوي والمادي للمعركة: ٣٢٦. (٤) القاموس المحيط: ٤٢٥، وتاج العروس (خوذ): ٥/٣٦٥. (٥) معجم الألفاظ الفارسية المعربة: ٥٨، والتاج:٥/٣٦٥، ومعجم المعربات الفارسية: ٧٠. (٦) موروث المصطلحات العسكرية: ٥٣.
* الخُوذَة: من متطلبات الحماية والوقاية في السِلْم والحرب: (الُخوذَة)، وهي التي تُوضع على الرأس عند الحرب؛ للوقاية، وتُسمى القُبَّعة الحربية، وتصنع من الجلد أو الحديد (٣) .كما تُسمّى (المِغْفَر) . وجمعُها: الخُوَذ (٤) . و(الخوذة) لفظ فارسي معرَّب (خُود) (٥) . وقد مرّ هذا اللفظ المعرَّب بمرحلتين، إذ هو في اللغة الفارسية القديمة: (خَودا)، وفي الفارسية الحديثة: (خُود وخَوْذ) (٦) . _________ (٣) معجم المعربات الفارسية: ٧٠، والملاحن، للأزدي: ٣٠، وموروث المصطلحات العسكرية: ٥٣، والإعداد المعنوي والمادي للمعركة: ٣٢٦. (٤) القاموس المحيط: ٤٢٥، وتاج العروس (خوذ): ٥/٣٦٥. (٥) معجم الألفاظ الفارسية المعربة: ٥٨، والتاج:٥/٣٦٥، ومعجم المعربات الفارسية: ٧٠. (٦) موروث المصطلحات العسكرية: ٥٣.
1 / 464
والذي يظهر لي: أنّ العرب لم تكن في حاجة إلى تعريب (الخُوذة)؛ لأنّ لديها بدائل تحمل هيئتها ومعناها، مثل: المِغْفَر (١)، ومثل: بيضة الحديد (٢)، والتي تشبه الخوذة في شكلها البيضاوي، وفي لونها الأبيض. ولكن إذا كان الهدف من تعريب (الخوذة) زيادة الثروة اللغوية، والإفادة من اللغات الأخرى، فإنّ الأولى بالعرب أن ينقلوا الخوذة إلى أقرب استعمالاتهم اللغوية وهو (الخُود) بضم الخاء؛ لأنّ له مشابها بفتح الخاء (الخَود)، والذي يعني بلغة العرب: المرأة الحسناء الحيِيَّة، كما قال أبو العلاء المعرّي:
وكلُّ ذؤابة في رأس خَوْد ... تمنّى أن تكونَ له شِكالا
إذ المراد ب (الخَود) هنا: المرأة الحسناء الحييّة (٣)، أو الجارية الناعمة (٤) .
_________
(١) القاموس المحيط: ٤٢٥، والمعجم الوسيط: ١/٢٦١.
(٢) الأجناس من كلام العرب: ٧٠، ورسالة في الكلمات المعربة، لابن كمال باشا:٧٣٦.
(٣) سقط الزند: ٥٣.
(٤) الصحاح (خود): ٢/٤١٠.
* الرَّصاص: من الممكن استخدام (الرصاص) في ميادين الحرب والقتال، كما إنه من الممكن استخدامه في الطب أو التصنيع. والرَّصاص: «عنصر فِلِزّ ليّن، وزنه الذريّ (٢٠٧،٢١)، وعدده الذريّ (٨٢)، وكثافته (١١،٣٤)، وينصهر عند (٣٢٧م») (٥) . والرصاص اسم أعجميّ معرَّب، واسمه بالعربية (الصَّرفان) (٦)، و(الآنِك)، _________ (٥) المعجم الوسيط: ١/٣٤٨. (٦) المزهر: ١/٢٨٤، والصحاح: ٤/١٢٩٣، والوجيز في فقه اللغة: ٤٥٢.
* الرَّصاص: من الممكن استخدام (الرصاص) في ميادين الحرب والقتال، كما إنه من الممكن استخدامه في الطب أو التصنيع. والرَّصاص: «عنصر فِلِزّ ليّن، وزنه الذريّ (٢٠٧،٢١)، وعدده الذريّ (٨٢)، وكثافته (١١،٣٤)، وينصهر عند (٣٢٧م») (٥) . والرصاص اسم أعجميّ معرَّب، واسمه بالعربية (الصَّرفان) (٦)، و(الآنِك)، _________ (٥) المعجم الوسيط: ١/٣٤٨. (٦) المزهر: ١/٢٨٤، والصحاح: ٤/١٢٩٣، والوجيز في فقه اللغة: ٤٥٢.
1 / 465
و(الأُسْرُب) (١)، ومنه الحديث: "من استمع إلى حديث قوم صُبَّ في أُذنه الآنك"، وهو الأُسْرُب (٢) .
«والرَّصاص بفتح الراء أكثر من الِّرصاص، والعامة تقوله بكسر الراء. وشاهد (الرَّصاص) بالفتح قول الراجز:
أنا ابنُ عمرو ذي السَّنا الوبَّاص ... وابنُ أبيه مُسْعَطُ الرَّصاص
وأول من أسعط بالرَّصاص من ملوك العرب: ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزْد» (٣) .
وقد عرفت العرب هذه المادّة (ر ص ص)، واستخدمتها لدلالات كثيرة، إذ (الرَّصاص): الأزيز، وهو أيضا: صوت الرّعد من بعيد، وصوت البكاء في الجَوْف (٤) .
أما إطلاق (الرصاص) على ما هو معروف ومتداول في العصر الحديث من استخدامه مع ما يُرمى به من البُنْدُق أم المسدَّس، فعُرْف محْدَث (٥) .
والجديد الذي أضافته العرب في تعريب (الرَّصاص) فهو أنها حوّلتْه من صيغته الأعجمية، وأضفتْ عليه صِبغة عربية؛ إذ اسم (الرصاص) بالأعجمية: (إِرْزِرْز)، فأبدلت الصاد من الزاي، والألِف من الراء الثانية، وحذفت الهمزة من أوّله، وفتحت الراء من أوّله فصار (رَصاص) على وزن: فَعَال (٦) .
_________
(١) دراسات في فقه اللغة: ٣٥٦.
(٢) المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: ١/٩٨
(٣) اللسان (رصص): ٧/٤١.
(٤) المعجم المفصل في الأصوات: ١٢٩.
(٥) المعجم الوسيط: ١/٣٤٨.
(٦) المزهر: ١/ ٢٨٤، وتصحيح الفصيح وشرحه، لابن درستويه: ٢٦٦.
1 / 466
والملاحَظ هنا: أنّ العرب قد أجرت مقارنة صوتيّة بين أصل الكلمة الأعجمية (إِرْزِرْز) وبين تعريبها (رصاص)، وذلك عن طريق أصلها الثلاثي: (رزز، رصص)؛ إذ إنّ مخرج الزاي والصاد واحد: «مما بين طرف اللسان وفُويق الثنايا» (١) كما إنهم وجدوا في لفظة (الَّرصاص) مجالا للاشتقاق، فقالوا: رصصتُ الشيء ترصيصا: إذا طليته به، وقد ترصّص: أي قبِل الشيء والتصق به، وهذا بنيان مرصوص (٢) .
_________
(١) الكتاب: ٤/٤٣٣.
(٢) تصحيح الفصيح وشرحه، لابن درستويه: ٢٦٦.
*السِّرْداب: لقد غلب على (السرداب) استخدامه في حفظ المياه وتبريدها في السِّلْم والحرب، وهذه الوظيفة مرتبطة بمفهومه والذي هو: بناء تحت الأرض للصيف، يُبرّد فيه الماء (٣) . وهو فارسي معرَّب، مركَّب من (سَرْداي) بمعنى: بارد، ومن (آب) أي: ماء. ومنه (سَرْداب) بالتركية والسريانية الدّارجة والكرديّة (٤) . أو معرَّب (سَرْد آب) بفتح السين وبالمد (٥)، أي: ما يُبرَّد فيه الماء (٦) . والأصل في سينه الكسر، والعامّة تفتحها (٧) . _________ (٣) القاموس المحيط: ١٢٤، والمعجم الوسيط: ١/٤٢٦، وشفاء الغليل: ١٧٥. (٤) معجم الألفاظ الفارسية المعربة: ٨٩، والمعرب، للجواليقي: ٣٩٦. (٥) رسالة في الكلمات المعربة، لابن كمال باشا: ٨٠١، وفوات ما فات من المعرب والدخيل: ٤٠. (٦) قصد السبيل: ٢/١٢٩. (٧) درة الغواص في أوهام الخواص: ٤٦.
*السِّرْداب: لقد غلب على (السرداب) استخدامه في حفظ المياه وتبريدها في السِّلْم والحرب، وهذه الوظيفة مرتبطة بمفهومه والذي هو: بناء تحت الأرض للصيف، يُبرّد فيه الماء (٣) . وهو فارسي معرَّب، مركَّب من (سَرْداي) بمعنى: بارد، ومن (آب) أي: ماء. ومنه (سَرْداب) بالتركية والسريانية الدّارجة والكرديّة (٤) . أو معرَّب (سَرْد آب) بفتح السين وبالمد (٥)، أي: ما يُبرَّد فيه الماء (٦) . والأصل في سينه الكسر، والعامّة تفتحها (٧) . _________ (٣) القاموس المحيط: ١٢٤، والمعجم الوسيط: ١/٤٢٦، وشفاء الغليل: ١٧٥. (٤) معجم الألفاظ الفارسية المعربة: ٨٩، والمعرب، للجواليقي: ٣٩٦. (٥) رسالة في الكلمات المعربة، لابن كمال باشا: ٨٠١، وفوات ما فات من المعرب والدخيل: ٤٠. (٦) قصد السبيل: ٢/١٢٩. (٧) درة الغواص في أوهام الخواص: ٤٦.
1 / 467
و(الزرداب) لغة فيه (١) .
والملاحظ هنا: أنّ العرب لم يكن لهم دور كبير وإسهام بالغ في إجراء تغييرات وتبديلات على هذه اللفظة المعرّبة: (سردآب)، إلا حذف المدّ والاكتفاء بالألف (سرداب)، مع محاولة تطويع هذه اللفظة لبعض لهجات العرب، فكما إنهم قد وجدوا أنفسهم ينطقون بالسين تارة، وبالزاي تارة أخرى كما في مثْل: (الأزّ والأس) (٢)، والشأْز والشأْ (٣)، (ورُزْداق ورُسْتاق) (٤)، فقد أجرَوا هذه اللفظة المعرَّبة على تلك العادات النطقية، فقالوا: (سرداب وزرداب)؛ وذلك لأنّ السين والزاي من حروف الصفير التي تتّحد في المخرج؛ إذ إنّ مخرجهما «مما بين طرف اللسان وفُويق الثنايا» (٥) . كما يُلحظ أنّ (السرداب) لم يعد معروفا في العصر الحديث لحفظ المياه وتبريدها فحسْب، بل أصبح مشابها لـ (الخندق) في الدلالة والوظيفة، من حيث جعله مكانا لحفظ المعدَّات، ومكانا لحماية الجُند ووقايتهم من الأعداء.
_________
(١) المعرب: ٣٩٦.
(٢) الإبدال، لأبي الطيب اللغوي: ٢/١١٣.
(٣) اللسان (شأز، شأص): ٥/٣٦، ٦/١١٠.
(٤) كتاب الإبدال والمعاقبة والنظائر: ٦٤، ٦٧.
(٥) الكتاب: ٤/ ٤٣٣.
* الطِرْبال: يُعتبر (الطربال) في عُرف كثير من الناس: أداة حماية ووقاية من الحرّ والبرد والتّلف، سواء كان ذلك في الحياة عامة، أو في الاستخدام العسكري خاصّة. وليس هو كذلك في الاستعمال اللغوي الفصيح؛ إذ (الطِرْبال): القطعة
* الطِرْبال: يُعتبر (الطربال) في عُرف كثير من الناس: أداة حماية ووقاية من الحرّ والبرد والتّلف، سواء كان ذلك في الحياة عامة، أو في الاستخدام العسكري خاصّة. وليس هو كذلك في الاستعمال اللغوي الفصيح؛ إذ (الطِرْبال): القطعة
1 / 468
العالية من الجدار، والصخرة العظيمة المشرِفة من الجبل (١)، والبناء يُبنى علَما للخيل يُستبق إليها، ومنها ما هو مثل المنارة والهدف المُشْرِف (٢)، ومنه الحديث: "إذا مرّ أحدكم بطربال مائل فليسرع المشي" (٣)، و«كان أبو عبيدة يقول: هذا شبيه بالمنظر من مناظر العجم كهيئة الصومعة والبناء المرتفع، قال جرير:
ألُوىْ بها شَدْبُ العُرُوقِ مُشَذب ... فكأنما وكنَتْ على طِرْبال» (٤) .
و(الطِرْبال) معرّب: (تَرْبالي) (٥) .
ويمكن الجمع بين مدلول الطربال قديما وحديثا عن طريق المشابهة في الشخوص والسَّعة وتحقيق الفائدة، إذ يصح لنا أن نطلق الاستعمال اللغوي الفصيح على الاستعمال الدّارج في عُرف كثير من الناس- مدنيين وعسكريين- إذ الغالب استخدام الطربال لكل ما علا وارتفع؛ وذلك بهدف الحماية والحفاظ على الأنفس والممتلكات، كما هو المشاهد في العصر الحديث، إذ من فوائد الطربال القتالية: استخدامه في التمويه المصاحب لمعدّات القتال، وكذلك حماية الجنود في العربات.
_________
(١) الصحاح: ٤/١٤٢٨، والقاموس المحيط: ١٣٢٥.
(٢) اللسان (طربل): ١١/٤٠٠.
(٣) الفائق في غريب الحديث والأثر: ٢/٧٩.
(٤) غريب الحديث، للهروي:٢/١٨، والنهاية في غريب الحديث والأثر: ٥٦٠.
(٥) المفصل في الألفاظ الفارسية: ٢٣٢- ٢٣٣.
(٦) اللسان (عسكر): ٤/٥٦٨، وشفاء الغليل: ٢١٢.
* العسْكَر: من المفردات الشائعة في الحياة العسكرية جمعاء: (العسكر)، والذي يعني: مجتمع الجيش، والجيش نفسه (٦)، والمجتمع الذي فيه السلاح _________ (٦) اللسان (عسكر): ٤/٥٦٨، وشفاء الغليل: ٢١٢.
* العسْكَر: من المفردات الشائعة في الحياة العسكرية جمعاء: (العسكر)، والذي يعني: مجتمع الجيش، والجيش نفسه (٦)، والمجتمع الذي فيه السلاح _________ (٦) اللسان (عسكر): ٤/٥٦٨، وشفاء الغليل: ٢١٢.
1 / 469
والرجال والخيل (١) .
وهو فارسي معرَّب (لشْكَر) (٢)، أبدلت اللام فيه عينا (عشكر)، والشين سينا (عسكر) وإنما لم تبقَ العين مع وجود اللام في العربية؛ لأنّ اللام لا توجد هكذا في أمثلة الرباعي إلا في نحو (لَجْلَج) (٣)
وقد عرف العرب مادة (ع س ك ر)، واستعملوها في معان خاصة، مثل: الشِدَّة والجدْب، من ذلك قول طرفة:
ظلّ في عسكرة من ُحبِّها ونأتْ شحْطَ مزار المدَّكر
أي: ظلّ في ِشدة من حبِّها وحَيْرة (٤) . وعساكر القوم: ما ركب بعضه بعضا وتتابع، وعسْكُرالليلِ: ظلْمتُه، والعسكر الجمع، وعسكر مكرم: اسم بلد معروف، وعسكرٌ من مال: أي كثير (٥) .
أما اختصاص (العسكر) بالجيش، فقد عرفه العرب عن طريق اللغة الفارسية؛ إذ سمعوا الفرس يقولون: (لشكر) أي: الجيش المحارِب، فعرّبوها وقالوا: (عسكر) (٦) . والذي دعاهم لذلك: أنه لا يوجد في كلام العرب شين بعد لام، كما قال ابن سيدة (ت٤٥٨؟) في المحكم: «ليس في كلام العرب شين بعد لام في كلمة عربية محضة. الشينات كلها في كلام العرب قبل اللامات» (٧)؛ ولهذا قال أبو
_________
(١) تصحيح الفصيح وشرحه، لابن درستويه: ٤٨٨، والصحاح: ٢/٦٤٠.
(٢) شرح الفصيح، للزمخشري: ٢/٦٧٢
(٣) التعريب في القديم والحديث: ٦٩، والمخصص: ١٤/٢٢٤.
(٤) ديوان طرفة: ٥٢.
(٥) اللسان (عسكر): ٤/٥٦٧، والعشرات في غريب اللغة: ١٠٥، ورسالة في الكلمات المعربة: ٨٠٣.
(٦) التعريب في القديم والحديث: ٨٢، والمزهر: ١/٢٨٠.
(٧) المزهر: ١/٢٧٥.
1 / 470
منصور الجواليقي (ت٥٤٠ هـ): «اعلم أنهم كثيرا ما يجترئون على تغيير الأسماء الأعجمية إذا استعملوها، فيبدلون الحروف التي ليست من حروفهم إلى أقربها مخرجا. وربما أبدلوا ما بعُد مخرجه أيضا، والإبدال لازم؛ لئلا يدخلوا في كلامهم ما ليس من حروفهم. وربما غيروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب. وهذا التغيير يكون بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف، أو نقصان حرف، أو إبدال حركة بحركة، أو إسكان متحرّك، أو تحريك ساكن. وربما تركوا الحرف على حاله لم يغيّروه» (١) .
وعلى هذا فإنّ الشين في (لشكر) الفارسية، قد أصبحت سينا في اللغة العربية عن طريق التعريب؛ ذلك لأن الشين والسين من الأصوات المتقاربة في الصفة، المتباعدة في المخرج (٢)؛ إذ إن مخرج السين من طرف اللسان وفُويق الثنايا، ومخرج الشين من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى (٣) .
وكأني بالعرب قد تأثّروا بلهجاتهم في قلب الشين في (عشكر) سينا؛ جريا على عاداتهم النطقية في مثل: عطس فسمّته وشمّته (٤)، وحُمِس الرَّجل وحُمش: إذا اشتدّ غضبه (٥)، والدّست والدشت بمعنى الصحراء (٦)، وسعرتُ وشعرت (٧) .
_________
(١) المعرب، للجواليقي: ٩٤، والمزهر: ١/٢٧٣.
(٢) الاشتقاق، لعبد الله أمين: ٢٥٢.
(٣) الكتاب: ٤/٤٣٣.
(٤) الإبدال، لابن السكيت: ٤١.
(٥) درة الغواص: ١١٠.
(٦) الإبدال، لأبي الطيب: ٢/١٦٣، والمزهر:١/٢٧٥.
(٧) الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث: ٤٧٠.
1 / 471