1
حين كنت أعد نفسى للانضمام للجان الشباب، نعم إن نيقولاي بوخارين قد اتهم قبل ذلك ببضع سنين بأنه من المنشقين أنصار اليمين، وجرد من وظائفه الرسمية وحرم على الناس أن يطالعوا كتبه، ولكن اسمه كان لا يزال تحيط به رغم هذا هالة من السحر، وكان مجرد إحساسي بأنه هناك في ذلك المكان، لا يحجبه عني إلا ذلك الباب، كان مجرد إحساسي بهذا كافيا لأن يهز مشاعري على الرغم مني.
وبعد قليل من الوقت أشار إلي سمشكين بأن أدخل وهمس قائلا: «إن بوخارين لا يزال هناك؛ لأن الوزير طلب إليه أن يبقى وأن يقابلك.»
وما هي إلا لحظة حتى كنت أصافح أورزنكدز وبوخارين، وجلس الوزير خلف مكتب كبير، انتشرت عليه أوراق وكتب وست مسرات، وصفوف من الأزرار الكهربائية وجلست أنا وبوخارين أمامه إلى جوار المكتب في حجرة رحبة، علقت على جدرانها صور كبيرة لماركس ولينين وستالين، ووضعت على المكتب صورة شمسية لستالين كتب صاحبها في أسفلها بخط رديء: «إلى سرجو.»
وقال الوزير وهو يحاول على ما أظن أن يهدئ روعي: «مرحبا يا رفيق كرافتشنكو، حدثنا حديثا واضحا مختصرا بما تعرفه عن مشروع نيقوبول.» - «أحب أن أحدثك أولا أيها الرفيق الوزير عن مصنع دنيبروبتروفسك، فإن لي آراء خاصة في عمله أريد أن أبسطها لك.» - «قل.»
وكان في وسعي أن أبسط المسألة بسطا واضحا؛ لأني رتبتها من قبل في ذهني ترتيبا منتظما، فقلت له: أولا إن بعض أجزاء المصنع في حاجة إلى التوسيع وإلى التنظيم على أحدث الأساليب، وأظهرت له أن بعض مبانيه القديمة قد أهمل أمرها لشدة حرص ولاة الأمور على تشييد مبان جديدة، وبرهنت له بالإحصاءات الدقيقة أن إنفاق ملايين قليلة من الروبلات في تحسين بعض الأجزاء القائمة من هذا المصنع يؤدي إلى إنتاج أكثر مما يؤدي إليه إنفاق عشرات أضعافها في تشييد مصانع جديدة.
وابتسم بوخارين ابتسامة عريضة حين سمع هذا الحديث دلالة على رضائه عنه، فقد عرف عنه من قبل أنه يعارض في الإسراع في تشييد المصانع الجديدة، وكان قبل أن يرغم على السكوت قد طعن في بعض نواحي مشروع السنوات الخمس ووصفه بأنه «مجرد نزعة إلى المغامرات».
ورد علي أورزنكدز بقوله: «إني متفق معك بوجه عام يا رفيق كرافتشنكو، وإن كانت المشاكل الخاصة بمصانع بتروفسكي-لينين المتحدة في حاجة إلى الدرس والتمحيص.» ودون بعض ملاحظات على إضمامة من الورق كانت أمامه ثم واصل حديثه قائلا: «أبلغ المدير جليوبنكو أننا سنعنى ببحث مطالبه، والآن فلتستمر في حديثك.»
ثم أخذت بعدئذ أصف ما انطبع في ذهني من زيارتي لنيقوبول، والتزمت في بادئ الأمر العبارات الفنية الشكلية التي أعددتها في عقلي من قبل، ولكني حين واصلت الحديث عادت إلى مخيلتي ذكرى الثكنات وما فيها من قذارة وتبرم، فذهب ما كان لدي من حصافة وسرت في صوتي نغمة الغضب وأنا أشرح ما شاهدته من تلف وإسراف واضطراب، وخاصة حين كنت أصف ما يحيط بحياة العمال من ظروف لا قبل لهم بها، وقلت له: «لست أشك في أننا إذا أنفقنا بضعة ملايين من الروبلات في إصلاح الظروف التي يعيش فيها العمال سنوفر مبالغ طائلة من نفقات المشروع، أما إهمال العنصر الإنساني فيه فإنه سيحول المشروع كله في مكان مثل نيقوبول إلى مأساة من السفه والدمار وخيمة العاقبة.»
وما كدت أنطق بهذه العبارة حتى قاطعني بوخارين بقوله: «مرحى، مرحى!» وحاول أورزنكدز أن يكبت ابتسامة ولكنه لم يستطع.
ناپیژندل شوی مخ