وبعد ذلك بأيام، عدت من المعهد فناولتني أمي خطابا.
قالت أمي: «تركت إلينا لك هذا الخطاب، وقد ظهرت عليها علامات الحزن العميق، وتورمت عيناها بالبكاء، إنني لا أحب يا «فيتيا» أن أتدخل في شئونك الخاصة لكني آمل أن تتبصر ما أنت صانع، إن الجراح التي ينزلها بنا أحباؤنا هي آلم الجراح جميعا.»
كان خطاب «إلينا» قصيرا: «حبيي فيتيا، أرجوك فضلا أخيرا، قابلني مساء الغد في محطة السكة الحديدية الساعة السادسة، إني لأتوسل إليك أن تهبني هذه المكرمة الأخيرة قبل أن نفترق إلى الأبد.»
ذهبت قبلها فانتظرتها حتى جاءت تحمل حقيبة صغيرة للملابس، وحز قلبي ما رأيته على وجهها الجميل من علامات الألم كأنما هو السكين الماضية.
قالت لي: «سنذهب معا إلى نهر سامارا وسنأكل معا ونسمر معا في طلق الهواء، لقد أعددت تذكرتي القطار.»
ودار الحديث بيننا في القطار حول أمور توافه، فتحدثنا عن إعدادي للامتحان الأخير في المعهد، وعن مشروع بناء كانت مشتغلة هي بتصميم خطته، ووصلنا محطة صغيرة وسرنا في طريق ريفي حتى بلغنا ضفة النهر، واجتنب كلانا أن يفتح بالحديث موضوعا خطيرا، كأنما كنا نؤجل عامدين تلك اللحظة التي من أجلها جئنا ها هنا، ودنا الليل وقرقعت السماء على مبعدة بصوت الرعود.
قلت مقترحا: «دعينا نسبح في الماء لحظة قبل أن تصب السحائب ماءها.»
ونضونا ثيابنا وارتمينا في الماء، حتى إذا ما انتعشنا بالسباحة عدنا فارتدينا الثياب، ثم فرشت غطاء مائدة ونشرت عليه طعاما، وكانت قد أحضرت معها كذلك زجاجة من نبيذ ناباريلي.
قالت «إلينا»: «لقد شربنا نخب التقائنا منذ أمد بعيد، فلنشرب الآن نخب افتراقنا.» قالت ذلك وقد اغرورقت عيناها بالدموع، ثم مضت تقول: «تذكر أنني قلت لك آنئذ: إنه يحسن ألا نعاود اللقاء، فها أنا ذا على وشك أن أفقد صحبتك، وسأعتزل وحيدة مرة أخرى.»
لم يأكل أحد منا شيئا من الطعام، لكننا شربنا النبيذ. - «قل لي يا «فيتيا» ماذا حدث على غير ارتقاب؟ لماذا أمسكت عن حبي؟» - «إني أحبك الآن كما أحببتك دائما، وذلك ما جاء بي ها هنا، وإنما جئت معتمدا على إخلاصك يا «إلينا»، فهل لك أن تكاشفيني بسرك؟ فلن أساق بعد الآن كما يساق يافع مأفون.» - «ماذا تريد أن تعلم عني، أهو عن زوجي ما أردت أن تعلم؟» - «لا بل عنك أنت، فأنا أعلم لماذا تصحبين الأجانب، وأعلم من اجتماعاتك مساء كل خميس في الدار التي تقع في شارع ب ... فماذا تريدينني بعد أن أقول؟»
ناپیژندل شوی مخ