عرب په اروپایي تمدن کې اغېز
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
ژانرونه
وهذه هي العقيدة التي تمخضت عنها أطوار كثير من عصر النهضة إلى عصر الثورة الفرنسية، ولم يكن قد توطد لها الأساس الذي تعلو عليه قبل تمام تلك الأطوار.
ولقد كانت الأمة العربية أولى الأمم أن تنشأ فيها الوطنية بهذا المعنى الحديث قبل نشأتها في أعقاب الثورة الفرنسية؛ لأنها كانت تدين بأن الأرض لله، وأن الملك خادم الشعب يحكمه باختياره قبل أن تتقرر هذه الآراء في أمم الحضارة الغربية، ولكن التاريخ لا يسبق أوانه، ولا بد للجامعة الدينية من دور تجري فيه وتبلغ مداه.
وقد كانت في أوجها وكانت معالم الوطنية في غيبها تنتظر أسبابها ومواقيتها، فلما حان الميقات المقدور كان من عجائب أطوار التاريخ أن يأخذها الشرقيون عن الغربيين، وأن يأخذوها تارة كارهين وتارة مختارين.
نعم أخذوها تارة كارهين وتارة مختارين؛ لأنهم أخذوها بالتعليم والمحاكاة، وأخذوها بكفاح الثورة على الاستعمار، فكانت المناداة بحقوق الإنسان هي فاتحة الاعتراف بحقوق الأوطان، وكانت غارة الأوروبيين على أوطان الشرقيين محرضا لأبناء تلك الأوطان على المطالبة بتلك الحقوق، وأشعل فيهم نار الغيرة الوطنية أن الاستعمار يمسهم في كرامتهم وعقائدهم ومصالحهم، ولا يرضيهم بحالة واحدة من الحالات التي تسوغ للمرء باختياره أن يحتمل الخضوع لمن يخالفه في الموطن واللغة والدين، وينازعه الرزق، وينكر عليه الحقوق التي ينادي بها في بلاده ويسميها بحقوق الإنسان.
نعم إن المغلوبين كانوا يثورون على الغالبين في جميع العصور قبل المناداة بحقوق الإنسان، ولكنهم كانوا يثورون للأنفة من الغلبة، والألم من الغصب والمشاركة في الأرزاق، وهي ثورة لا ترجع إلى الإيمان بالحقوق الوطنية، ولا إلى إنكار حق الغالبين في تسخير المغلوبين، بل ترجع إلى كراهة الضيم، ومقابلة العدوان بالعدوان.
ويختلف الصراع على الغلبة جد الاختلاف من هذا الصراع بين غاصب الحق والمطالب به، وهما متفقان معا على حق صاحب الوطن في وطنه؛ فإن الثائر القديم إنما كان يثور لأن حالة السيد المطاع خير من حالة العبد المطيع، ولأن الأمر لا ينزل عن رزقه وكرامته وهو قادر على أن يحتفظ بهما لنفسه. أما الثائر الحديث فهو في موقف «المقاضي» الذي يطالب بتراثه وماله، ويرد الأقوياء إلى شريعة غير شريعة الغلبة المرفوضة في ضمائر الناس.
وظلت العاطفة الوطنية ممزوجة بالعاطفة الدينية في شئون السياسة العامة ردحا من الزمن بعد الاعتراف بسيادة الأمة، وقيام «فكرة الوطن» على هذه السيادة، وكان شأن أوروبا في ذلك كشأن الأمم الشرقية بغير اختلاف كبير، فثارت إيطاليا واليونان في طلب الاستقلال، وكلتاهما أمة ذات تاريخ عريق في الثقافة والفن وأصول الحضارة الأوروبية، ولكن حماسة أوروبا لنصرة القضية الإيطالية لم تبلغ قط الحماسة الشعبية لنصرة القضية اليونانية؛ لأن اليونان كانت تثور على الترك إذ كان الإيطاليون يثورون على النمسا أو على الكنيسة البابوية.
وفي الوقت الذي كانت فيه أمم كأمم البلقان تظفر من العطف الأوروبي بأوفى نصيب في قضايا المطالبة بالاستقلال، كانت أوروبا تنظر بعين الموافقة أو قلة الاكتراث إلى تقسيم الوطن البولوني بين روسيا والنمسا وألمانيا، وعلى بعضها حكومات تغلغلت فيها جراثيم الفساد والاستبداد، وأنكرت حقوق الإنسان ومبادئ الاعتراف بالأوطان.
وظهرت نزعة الاستقلال عن دعوى الخلافة الدينية بين الشرقيين المسلمين في أوائل القرن الثامن عشر مقترنة بظهور هذه النزعة في القارة الأوروبية، فكان السلطان العثماني الذي يلقب بلقب الخلافة يولي على مصر واليا من قبله، ويختار المصريون المسلمون واليا غيره كما حدث على عهد محمد علي الكبير.
ونادى طلاب الاستقلال «بأن مصر للمصريين» في أواسط القرن التاسع عشر، وجعلوا هذا المبدأ شعارا لهم في حركة التحرير مع قيام السيادة العثمانية التي زالت بعد ذلك بخمسين سنة ... ثم ظلت هذه السيادة تتردد في بيئات الأحزاب السياسية إما بفعل الشعور الديني، أو بدافع من الرغبة في مقاومة الاحتلال البريطاني بحجة شرعية لا ينكرها.
ناپیژندل شوی مخ