عرب په اروپایي تمدن کې اغېز
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
ژانرونه
Arratel ، وألفاظ كثيرة من أسماء الحاجيات المتداولة أو الأعلام على المواقع والبلاد.
وليس كل الشأن في انتقال هذه المفردات إلى الإسبانية أو البرتغالية أنها صفحات زيدت على معجم اللغتين، وإنما الشأن الصحيح فيها أنها دليل على صبغة المعيشة العربية التي اصطبغت بها تلك البلاد وكل بلد غيرها اقتبس مثل هذا الاقتباس، أو بعض هذا الاقتباس، وأنها مقياس الفارق بين أحوال الأمم الأوروبية قبل اتصالها بالحضارة العربية، وبعد شيوع هذا الاتصال.
ولم تكن الجزيرة الأندلسية هي المجاز الوحيد بين القارة الأوروبية والحضارة العربية؛ لأن القوافل التي تنقل البضائع من آسيا الغربية إلى أوروبا الشرقية لم تنقطع كل الانقطاع في عصر من العصور، ولأن الأوروبيين قد عرفوا الشيء الكثير عن الشرق في إبان الحروب الصليبية، ولكن الجزيرة الأندلسية هي القطر الوحيد الذي يقال فيه على التحقيق: إنه لم يعرف له عصرا ذهبيا في تاريخه كله غير العصر الذهبي الذي رآه في أيام الدولة العربية الزاهرة، ولا استثناء في ذلك لعهد فيليب الثاني وما كان فيه من مظاهر الأبهة والرخاء؛ لأنه كان رخاء مستعارا من الخيرات التي تدفقت على إسبانيا من مستعمراتها الأمريكية بعد كشف العالم الجديد، ولم يكن رخاء محمولا على حضارة تزدهر فيها المعارف الإنسانية، وتتفتق فيها عقول الأمة عن فتح مبتكر ينسب إلى أهل البلاد.
ففي عصر الأندلس الذهبي كانت المدن الأندلسية أعمر المدن في القارة الأوروبية من أقصاها إلى أقصاها، وكان في قرطبة وحدها دكان نسخ واحد يستخدم مائة وسبعين جارية في نقل المؤلفات لطلاب الكتب النادرة، وكان في قصر الخليفة أربعمائة ألف كتاب، وكان سادات أوروبا يفاخرون بما يقتنونه من منسوخاتها، أو مصوغاتها المعدنية، أو آنية الفخار التي لا يعرف لها نظير في بلد آخر، وكان عدد سكانها نحو ألف ألف، يسكنون نحو مائتين وخمسين ألف بيت. ولم تكن مدينة في أوروبا تأوي إليها أكثر من ثلاثين ألفا أو خمسين ألفا على أكبر تقدير.
وإلى قرطبة وزميلاتها غرناطة وأشبيلية وطليطلة ومرسية ومالقة كانت تتجه وفود العواهل الأوروبيين في طلب الأدوية أو التحف، أو أدوات الترف والزينة وفرق الموسيقى والغناء. وأجمل بعض هذا المؤرخ الإنجليزي استانلي لاين بول، فقال: «إن حكم عبد الرحمن الثالث الذي قارب خمسين سنة أدخل على أحوال إسبانيا تجديدا لا يلم الخيال - على أجمح ما يكون - بحقيقة فحواه» ...
ولا نعرف شهادة لهذا العصر الذهبي أعظم ولا أصدق من ذلك الحنين الذي يذكره به غلاة الوطنيين الإسبان وكبار كتابهم، حين يلتفتون إلى ماضي بلادهم، ويتمنون لها حاضرا كماضيها في أيام الدولة العربية؛ فلم تنجب إسبانيا في عصرها الحديث وطنيا غيورا، ولا كاتبا مبرزا أشهر من بلاسكوا أبانيز، الذي توفي منذ بضع سنوات، ولكنك لا تقرأ لعربي ولا شرقي كلاما في الإشادة الحماسية بمجد العرب الأندلسيين كالذي تقرؤه لهذا الكاتب النابه في أهم مصنفاته، وهي «ظلال الكنيسة»، حيث يقول: ... لقد أحسنت إسبانيا استقبال أولئك الرجال الذين قدموا إليها من القارة الإفريقية، وأسلمتهم القرى أزمتها بغير مقاومة ولا عداء، فما هو إلا أن تقترب كوكبة من فرسان العرب من إحدى القرى حتى تفتح لها الأبواب، وتتلقاها بالترحاب ... وكانت غزوة تمدين، ولم تكن غزوة فتح وتدويخ، ولم يزل ميل المهاجرين يتدفق من جانب المضيق، وتستقر معه تلك الثقافة الغنية الموطدة الأركان، نابضة بالحياة، بعيدة الشوط، ولدت منتصرة، وبث فيها النبي حمية قدسية، واجتمع إليها أفضل ما في وحي بني إسرائيل وعلم بيزنطة وتراث الهند وذخائر فارس والصين.
وهكذا تسرب الشرق إلى أوروبا على نهج غير نهج داردا وزركسيس من قبيل أثينا التي قاومته خوفا على حريتها، وإنما اختار له في هذه المرة نهجا مقابلا لأثينا من الناحية الغربية، وهو الجزيرة الأندلسية؛ حيث سلطان الملوك «اللاهوتيين» والقساوسة المجاهدين؛ فتلقته مفتوحة الذراعين.
وفي خلال سنتين اثنتين استولى الغزاة على ملك قضى مستردوه سبعة قرون كاملة في استرداده، ولم يكن في الواقع فتحا فرض على الناس برهبة السلاح، بل حضارة جديدة بسطت شعابها على جميع مرافق الحياة، ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمنا عن فضيلة حرية الضمير، وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب؛ فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبيع اليهود، ولم يخش المسجد معابد الأديان التي سبقته، فعرف لها حقها، واستقر إلى جانبها غير حاسد لها ولا راغب في السيادة عليها، ونمت على هذا ما بين القرن الثامن والقرن الخامس عشر أجمل الحضارات وأغناها في القرون الوسطى.
وفي الزمن الذي كانت أمم الشمال فريسة للفتن الدينية والمعارك الهمجية، يعيشون عيشة القبائل المستوحشة في بلادهم المتخلفة، كان سكان إسبانيا يزدادون فيزيدون على ثلاثين مليونا تنسجم بينهم جميع العناصر البشرية والعقائد الدينية، وخفق قلب الحياة الاجتماعية بأقوى نبضاته التي عرفها تاريخ الجماعات البشرية، فلا نرى لها قرينا نقابله به غير ما نجده في الولايات المتحدة الأمريكية من تنوع الأجناس، واتصال الحركة والنشاط.
فعاشت في الجزيرة الأندلسية طوائف من النصارى والمسلمين، وأهل الجزيرة والشام، وأهل مصر والمغرب، ويهود إسبانيا والشرق، فكان منهم ذلك المزيج الذي تميز منه المستعربون والمدجنون والمولدون، وعاشت بفضل هذا التفاعل الحي بين العناصر والعروق جميع الآراء والعادات، والكشوف العلمية، والمعارف والفنون والصناعات، والمخترعات الحديثة، والأنظمة القديمة.
ناپیژندل شوی مخ