Athar al-Ikhtilaf fi al-Qawa'id al-Usuliyya fi Ikhtilaf al-Fuqaha
أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء
ژانرونه
مسألة تعارض الأدلة والجمع بينها
الصنف الرابع: تعارض الأدلة: فقد نتج عنه أيضًا اختلاف بين الفقهاء، وقد يقع التعارض بين القول والقول، أو بين القول والفعل، وقد نظر العلماء إلى هذا التعارض فوجدوا التعارض في القول والفعل، فاختلفوا في الأحكام الفقهية نظرًا لهذا التعارض.
ويجب أن نعلم أولًا: أنه لا يجوز لأحد أن يقول: إن كلام النبي ﷺ متعارض، أو إن كلام الله متعارض والعياذ بالله، فقد خرج كله من مشكاة واحدة، لكن التعارض كما قال ابن حجر وقرره قال: التعارض حاصل في نظر المجتهد وليس التعارض في قول النبي ﷺ.
فالعلماء ينظرون في الأدلة التي ظاهرها التعارض فيقولون: نجمع بين القولين، أو نرجح، أو ننظر في الناسخ والمنسوخ، وهذا منشأ الخلاف عند الفقهاء، فمنهم من يعرف طريقة الجمع، ومنهم من لا يستطيع فيرجح، ومنهم من ينظر إلى الناسخ والمنسوخ، فينشأ بالتالي الخلاف الفقهي بين العلماء.
مثال ذلك: أن النبي ﷺ كما في حديث أنس: (مر على رجل يشرب قائمًا فقال له: تريد أن يشرب معك الهر؟)، قال: (تريد أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: يشرب معك من هو أشر من الهر الشيطان)، ففي هذا دلالة على النهي الأكيد؛ لأن الشيطان يشرب معك.
وفي رواية أخرى في السنن بسند صحيح أن النبي ﷺ قال: (من شرب قائمًا فليستقئ)، وهذه دلالة أخرى: على شدة الحرمة، فهذا قول.
ثم جاء عن النبي ﷺ بعد ذلك أنه شرب قائمًا: (فقد شرب النبي من شن معلقة -من قربة معلقة- قائمًا، وشرب من ماء زمزم وهو قائم).
فهذه أدلة ظاهرها التعارض، فقد ثبت من فعله أنه شرب قائمًا، وثبت من قوله أنه نهى عن ذلك، ومن هنا نشأ الخلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: الحاظر يقدم على المبيح، فنرجح ونقول: بأن النهي هو الذي يعمل به، وبالتالي فلا يجوز أن يشرب قائمًا.
وقال الشوكاني: بل يكون فعله خاصًا به ويبقى النهي على عمومه.
ومنهم من يقول: إن القاعدة عند العلماء: أن إعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما، وأن إعمال الكلام خير من إهماله، فيكون النهي عن الشرب قائمًا مصروفًا من التحريم إلى الكراهة، وقد يفعل النبي المكروه تبيينًا للأمة وتشريعًا لها وكأنه يقول: من شرب قائمًا فليس بآثم، لكنه مكروه فلا يكثر منه.
ومثال ذلك أيضًا: البول قائمًا، فقد ورد النهي عنه وورد الجواز فيه بالفعل، ففي سنن الترمذي عن عبد الكريم بن أبي المخارق: (أن عمر بن الخطاب بال قائمًا فنهاه النبي ﷺ عن ذلك، قال: فما بلت قائمًا منذ أمرني رسول الله ﷺ أو منذ نهاني رسول الله ﷺ، وهذا الحديث ضعيف؛ وعلته: ابن أبي المخارق، فهو ضعيف ضعفه المحدثون فالسند ضعيف، لكنه جاء بسند صحيح عن عائشة أنها قالت: ما بال رسول الله قائمًا قط، ومن حدثكم أن رسول الله ﷺ بال قائمًا فقد كذب أو أخطأ.
فهذه الآثار تدل على النهي عن التبول قائمًا.
لكنه جاء في الصحيح عن المغيرة بن شعبة قال: (أتى رسول الله ﷺ سباطة قوم فبال قائمًا) والسباطة: هي المزبلة.
فهذه الأدلة ظاهرها التعارض، ومن هنا نشأ الخلاف بين العلماء: فبعضهم يقول بحرمة البول قائمًا، وبعضهم يقول بالجواز؛ لأن أصل الخلاف ورد في فهم فعل النبي ﷺ عند تعارض الأدلة.
ونحن نقول: الراجح الصحيح هو التفصيل؛ فإن كان على أرض صلبة فلا يجوز له أن يبول قائمًا؛ لأن الرذاذ سيرجع على ثوبه، فلا يصح أن يبول قائمًا في المراحيض الموجودة الآن لصلابتها، إلا إذا أمن الرذاذ أن يرجع عليه، أما إذا كانت الأرض رخوة كالسباطة فيجوز له أن يبول قائمًا، والأصل: هو البول قاعدًا، وهذا هو الصحيح.
فالغرض المقصود: أن منشأ الخلاف جاء في فعل النبي ﷺ عند التعارض بين القول والفعل أو بين الفعل والفعل.
1 / 22