Athar al-Ikhtilaf fi al-Qawa'id al-Usuliyya fi Ikhtilaf al-Fuqaha
أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء
ژانرونه
الاجتهاد في عصر الخلفاء الراشدين
والحاصل أن كثيرًا من الصحابة قد اجتهد في عصر رسول الله ﷺ، فمنهم من أقر ومنهم من أنكر عليه.
لكن هل حدث خلاف بعد موت رسول الله؟ فما من زمن يأتي بعد رسول الله إلا والذي بعده شر منه، فلابد أن يحدث الخلاف، لكن لرحمة الله بالأمة فقد جعل الخيرية في القرون المفضلة بعده ﷺ؛ وذلك أن الخلاف ضاق جدًا في عصر أبي بكر، وضاق جدًا في عصر عمر، ثم توسعت الخلافات بين العلماء في عصر الصحابة بعد عمر بن الخطاب.
والسبب في ذلك: أن أبا بكر ﵁ وأرضاه كان في المدينة وكان الصحابة جميعهم مع أبي بكر في المدينة، وكذلك الأمر بالنسبة لـ عمر بن الخطاب، فإذا عمت المسألة نظر أبو بكر في كتاب الله وسنة النبي ﷺ.
فائدة: هل يقال: كتاب الله وسنة نبيه، أم يقال: كتاب الله ثم سنة نبيه؟ والصحيح الراجح: أن الوحيين معًا، فتقول: انظر في كتاب الله وسنة النبي، وهو الذي جرى عليه المحدثون عندما ضعفوا حديث معاذ، والذي يستدل به الفقهاء والأصوليون دائمًا: في أن كتاب الله هو الأول في الترتيب ثم سنة النبي ﷺ، (عندما بعثه إلى اليمن فقال: بم تحكم؟ قال: أحكم بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فإن لم أجد في كتاب الله أحكم بسنة النبي ﷺ فكأنه جعلها مرتبة بعدية، فقال العلماء: هذا شاذ؛ لأن السنة والكتاب قرينان، فيحكم بكتاب الله وسنة النبي ﷺ.
فالمقصود: أن أبا بكر كان ينظر في الكتاب والسنة، فإن وجد شيئًا اعتبر الأمر منتهيًا، وإن لم يجد جمع الصحابة فجلسوا إليه فتشاور معهم في حل إشكال هذه المسألة، فإذا كان لديهم علم من رسول الله وإلا اجتمعوا على رأي واجتهاد واحد، وسمي ذلك إجماعًا كما هو عند أهل الأصول.
ومثال ذلك: عندما جاءت الجدة إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر! أين إرثي؟ فقال: إني لا أرى لك في كتاب الله أو سنة النبي ﷺ شيئًا، ولكن اذهبي حتى أستشير صحابة رسول الله ﷺ، فجمع الصحابة لذلك، فقال المغيرة بن شعبة: (قد سمعت رسول الله ﷺ يورث الجدة السدس)، ووافق محمد بن مسلمة المغيرة على ذلك، فقضى أبو بكر لها بالسدس عملًا بسنة النبي ﷺ.
وكان عمر بن الخطاب يجمع الصحابة حوله، ويحرم عليهم الخروج من المدينة، فإذا أشكلت المسألة قال لهم: هل يحفظ أحدكم في هذه المسألة حديثًا عن النبي ﷺ؟ وقد اختلفوا مرة في مسألة الجنين، يعني: إذا ضرب رجل امرأة وفي بطنها جنين فمات، فما الحكم؟ أقول: قد خفي الحكم في هذا على عمر، فجمع الصحابة جميعًا فقال: ما الحكم في الجنين؟ فقام المغيرة بن شعبة وقال: (يا أمير المؤمنين! قد رأيت رسول الله ﷺ يجعل في الجنين الغرة) فنزل عمر على كلام المغيرة، وبهذا ضاق الخلاف بينهم.
ثم بعد ذلك جاء عثمان فانتقل الصحابة إلى الأمصار، فذهب ابن مسعود إلى الكوفة، وذهب ابن عباس إلى مكة، فلما تفرق الصحابة في الأمصار عمت المسائل الجديدة، وأصبح من الواجب إيجاد حلول وأحكام لهذه المسائل الجديدة؛ لضرورة معرفة حكم الله في هذا الشيء.
1 / 15