زكية :
عمرك ما جالك الإحساس ده؟ عمرك ما وقفت العربية بتاعتك على كوبري عباس وبصيت؟ لو كنت وقفت مرة، ولو كنت بصيت مرة، يمكن كنت عرفت إن كل الأطفال بيتولدوا شكل بعض، كل الناس بتتولد زي بعض، لكن بعد كده بيختلفوا، بينقسموا نوعين، نوع بيتألم والنوع التاني ما بيتألمش، الألم هو الفرق بين إنسان وإنسان، واللي ما عرفش الألم عمره ما يبقى إنسان.
د. توفيق (بصوت متأثر) :
أنا فعلا يا زكية ... عمري ما عرفت الألم، كنت باجي لغاية عنده واهرب، حياتي كلها كانت سهلة، أبويا علمني وصرف علي في كلية الطب، كنت أرجع ألاقي عشاي جاهز، سريري جاهز، وبقيت دكتور، ما أعرفش كل حاجة كانت سهلة إزاي، عشان كده كان متهيأ لي إن كل حاجة سهلة والدنيا مفيهاش ألم، حتى لما كنت بسأل العيان وأقوله فين الألم يابويا، ويشاور على صدره أو بطنه، أحط إيدي على جسمه ومحسش الألم. وأنا صغير لما كانوا يغزوا في ذراعي حقنة التطعيم كنت أصرخ من الألم، وأنا فضلت طول عمري أكره أخذ الحقن، أصعب ألم شفته في جسمي هو إبرة التطعيم، لكن لما كنت أغرز الحقنة في ذراع العيان ويشد إيده، استغرب ليه بيشدها، وأقوله ماتشدش إيدك خليك شجاع وخليك راجل، مع إني كنت عارف بعقلي كطبيب إزاي الجسم بيتألم، لكن ماكنتش عارف بإحساسي يعني إيه ألم. العقل سهل يعرف ويتملي معلومات عن أكبر المعضلات اللي في الدنيا والعلوم، سهل إن العقل يتعلم، لكن الإحساس أصعب حاجة إن الإحساس يتعلم، ذنبي إيه إن كل ظروفي كانت سهلة وكويسة، ذنبي إيه يا زكية؟
زكية :
كنت لازم تقلق وتدور، كنت لازم تقلق وتحس بنقص اللي عمره ما تألم ويكون إنسان لازم يحس إنه صغير ووحيد وقلقان، لازم يحس إن حياته ناقصة وحاجة في حياته ناقصاه، حاجة في حياته ضايعة ومش لاقيها، حاجة مهمة خالص مش لاقيها، ما يحسش طعم الأكل ولا الشرب ولا النوم، وكل حاجة تبقى من غير طعم، زي الميه الفاترة. فيه ناس تعيش وتسكت وترضى بالعيشة الناقصة وتقول أدحنا عايشين، وفيه ناس تقلق وتدور على الحاجة الضايعة، وتفضل تلف وتدور وتدور، زي الأسد المحبوس جوه القفص، يفضل يدور، ويدور، ويدور، ويفضل حاسس إنه وحيد وإن حواليه سور بيعزله عن غيره، سور تخين وهو جواه وحيد محبوس مخنوق، يفضل يدور ويموت وهو يدور عن إنه يقعد جوه القفص. فيه ناس تموت وهي تدور عن إنها تفضل وحيدة محبوسة، لكن إذا ما ماتتش، إذا قدرت تكسر الباب وتخرج برة، حتلاقي أغلى حاجة في الدنيا، حتلاقي نفسها ...
د. توفيق (يقترب من زكية في حب) :
دلوقت بس فهمتك، دلوقت بس عرفت ليه أنا كنت باحبك، ليه دونا من كل الستات كنت باحبك، لما كنت أبص في عينيكي كنت باخاف، ماكنتش باعرف أنا باخاف ليه. ولما تمشي من قدامي أضحك لنفسي وأقول عبيط، ما هي واحدة زي كل الباقيين، لكن لما أشوفك من بعيد أبقى عاوزك تقربي مني عشان أشوف عينيكي وأبص فيها وأعرف أنا باخاف من إيه. كنت دكتور وانتي عاملة في المصنع، عاملة مبهدلة، شعرها منكوش، وفستانها قديم، وجزمتها كعبها متآكل ومعووج، ولما تمشي من قدامي أضحك لنفسي وأقول عبيط، ولكن لما ألمحك من بعيد أبقى نفسي تقربي عشان أشوف عينيكي وأبص فيها وأعرف ليه أنا باخاف، دلوقت بس عرفت إني كنت باخاف من نفسك، نفسك دي اللي لقيتها وماسكاها بديلك وسنانك ومتبتة فيها ومش ممكن تخسريها، نفسك دي اللي كنت باشوفها جوه عينيك من جوه ماقدرش أمسكها، أمسك إيديك وماقدرش أمسكها، أمسك جسمك كله بين إيديا ومقدرش أمسكها. فاكرة الليلة الوحيدة اللي قضناها سوا، ما تتصوريش يا زكية أنا الليلة دي حسيت بإيه، حسيت إنك ممكن تديني كل حاجة، كل حاجة إلا نفسك، حسيت إنك غالية قوي ... نفسك غالية قوي، مش ممكن أقدر آخذها، بأي ثمن، أغلى من أي ثمن، أغلى من إنها تتشري أو تتباع بالعملة المتداولة في عالمنا، العملة اللي بتحسب واحد ... واحد ... اتنين. وخفت يا زكية، لقيت الطريق لك صعب وغالي، واستسهلت واسترخصت، اشتريت مراتي بكل فلوسي وخفت أتجوزك، كنت عاوز مراتي تكون أنيقة ومن عيلة راقية وأبوها مركزه كبير، أنا عرفت دلوقت بس، لكن اتأخرت في التعليم، سامحيني يا زكية لأن أنا اللي خسرت مش انتي، أنا خسرت نفسي (يبكي) . (ظلام)
المشهد الخامس (المسرح خال ومظلم، موسيقى بطيئة وحزينة، ضوء خفيف يظهر منه مدخل المسرح من ناحية اليمين، يظهر في الضوء تمورجي حاملا نقالة جسم مغطى بملاءة، تمورجي آخر يحمل النقالة من الناحية الأخرى. موسيقى بطيئة حزينة ... يخرجان من الناحية اليسرى.
يختفي الضوء ويصبح المسرح مظلما تماما.
ناپیژندل شوی مخ