At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

Khaldoun Naguib d. Unknown
98

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

ژانرونه

- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿مَنْ لاَّ يَسْتَجِيْبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُوْنَ﴾: هَذِهِ فِي الأَمْوَاتِ مِنَ الصَّالِحِيْنَ؛ لِأَنَّ المَيِّتَ إِذَا كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ نُشِرَ وَصَارَ يَسْمَعُ وَرُبَّمَا أَجَابَ مَنْ طَلَبَ مِنْهُ؛ إذْ هُوَ فِي ذَلِكَ المَقَامِ حَيٌّ. (١) فَفِيْهِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ شِرْكَ المُشْرِكِيْنَ كَانَ أَيْضًا فِي البَشْرِ، بِخِلَافِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ شِرْكَهُم كَانَ فِي الأَحْجَارِ الصُمِّ فَقَط، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُوْنَ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُوْنَ أَيَّانَ يُبْعَثُوْنَ﴾ (النَّحْل:٢١). - قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَمَّن يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ فِيْهِ بَيَانُ أَنَّ المُشْرِكَ يُخْلِصُ للهِ تَعَالَى فِي الشِّدَّةِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يُجِيْبُهُ - رُغْمَ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فِي الأَصْلِ -، وَفِيْهِ بَيَانُ سِرِّ قَوْلِهِ ﷺ (وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ). (٢) وَهَذِهِ الإِجَابَةُ - أَيْ: الإِجَابَةُ عِنْدَ الكَرْبِ - سَبَبُهَا أَمْرَانِ: ١) أَنَّ الكَرْبَ إِذَا اشْتَدَّ وَعَظُمَ وَتَنَاهَى، وَحَصَلَ لِلْعَبْدِ الإِيَاسُ مِنْ كَشْفِهِ مِنْ جِهَةِ المَخْلُوْقِيْنَ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ حَقِيْقَةُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ الَّتِيْ تُطْلَبُ بِهَا الحَوَائِجُ، فَإِنَّ اللهَ يَكْفِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطَّلَاق:٣). ٢) أَنَّ المُؤْمِنَ إِذَا اسْتَبْطَأَ الفَرَجَ وَأَيِسَ مِنْهُ بَعْدَ كَثْرَةِ دُعَائِهِ وَتَضَرُّعِهِ - وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُ اسْتِجَابَةٌ - رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَهَذَا اللَّوْمُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ كَثِيْرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّهُ يُوْجِبُ انْكِسَارَ العَبْدِ لِمَوْلَاهُ، وَاعْتِرَافَهَ لَهُ بِأَنَّه أَهْلٌ لِمَا نَزَلَ بِهِ مِنَ البَلَاءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، فَلِذَلِكَ تَسْرعُ إِلَيْهِ حِيْنَئِذٍ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ وَتَفْرِيْجُ الكُرَبِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى عِنْدَ المُنْكَسِرَةِ قُلُوْبُهُم مِنْ أَجْلِهِ. (٣) (٤)

(١) وَمِثْلُهَا سُؤَالُ النَّاسِ لِلأَنْبِيَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مَوْقِفِ الشَّفَاعَةِ الكُبْرَى، لِأَنَّهُم أَحْيَاءٌ حِيْنَهَا وَقَادِرُوْنَ عَلَى الإِجَابَةِ، أَمَّا الآنَ فِي الدُّنْيَا فَهُم أَمْوَاتٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُوْنَ﴾ (الزُّمَر:٣٠). قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيْحَةِ (٤٥٩/ ٥) - فِي سِيَاقِ الكَلَامِ عَلَى حَدِيْثِ الشَّفَاعَةِ الكُبْرَى: (وَلَيْسَ فِيْهِ جَوَازُ الاسْتِغَاثَةِ بِالأَمْوَاتِ - كَمَا يَتَوَهَّمُ كَثِيْرٌ مِنَ المُبْتَدِعَةِ الأَمْوَاتِ! - بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الاسْتِغَاثَةِ بِالحَيِّ فِيْمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ). وَفِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى (٢٠٢/ ١) ذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ﵀ أَنْوَاعَ التَّوَسُّلِ وَذَكَرَ فِي النَّوْعِ الثَّانِيْ مَا نَصُّهُ: (التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ وَيَكُوْنُ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ يَتَوَسَّلُوْنَ بِشَفَاعَتِهِ). وَفِي الحَدِيْثِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَ: (أَنَا فَاعِلٌ)، قَالَ: قُلْتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: (اُطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ)، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: (فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيْزَانِ)، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْد المِيْزَانِ؟ قَالَ: (فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الحَوْضِ، فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ المَوَاطِنِ). صَحِيْحٌ. التِّرْمِذِيِّ (٢٤٣٣). الصَّحِيْحَةُ (٢٦٣٠). (٢) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢٨٠٣) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (٢٣٨٢). (٣) وَأَيْضًا هُمْ يُخْلِصُوْنَ للهِ تَعَالَى فِي الشِّدَّةِ لِزَوَالِ مَا يُنَازِعُ الفِطْرَةَ مِنَ الهَوَى وَالتَّقْلِيْدِ بِمَا دَهَاهُم مِنَ الخَوْفِ الشَّدِيْدِ. قَالَهُ البَيْضَاوِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٣٥٢/ ٤). (٤) بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ مِنْ كِتَابِ (جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ) (٤٩٤/ ١).

1 / 98