At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
ژانرونه
- الشُّبْهَةُ الخَامِسَةُ: زَعَمَ بَعْضُهُم أَنَّ المَنْعَ مِنِ اتِّخَاذِ القُبُوْرِ مَسَاجِدَ؛ إِنَّمَا كَانَ لِعِلَّةِ خَشْيَةِ الافْتِتَانِ بِالمَقْبُوْرِ! وَقَدْ زَالَتِ العِلَّةُ اليَوْمَ بِرُسُوْخِ الإِيْمَانِ وَالتَّوْحِيْدِ فِي قُلُوْبِ المُؤْمِنِيْنَ؛ فَزَالَ المَنْعُ! (١)
وَالجَوَابُ:
١) أَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ إِنَّمَا دَفَنُوْهُ ﷺ فِي بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا، فَغَيْرُهُمْ أَوْلَى مِنْهُم - أَيْ: مِنْ جِهَةِ الافْتِتَانِ -، وَأَيْضًا التَّابِعُوْنَ وَمَنْ بَعْدَهُم أَمَرُوا بِذَلِكَ وَعَمِلُوا بِهِ، كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ؛ قَالَ: قَالَ لِيْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِيْ عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ (لَا تَدَعَنَّ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ، وَلَا صُوْرَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا). (٢) (٣)
٢) دَلَّتِ السُّنَّةُ الشَّرِيْفَةُ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ سَيَقَعُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ - وَهُوَ وَاقِعٌ الآنَ - وَمَعْلُوْمٌ أَنَّ الغُلُوَّ فِي قُبُوْرِ الصَّالِحِيْنِ هُوَ أَهَمُّ أَسْبَابِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَمْ تُؤْمَنْ فِتْنَةُ الشِّرْكِ بَعْدُ، وَانْظُرْ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ الشِّرْكَ وَاقعٌ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ:
- (لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِيْ الخَلَصَةِ، وَذُوْ الخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِيْ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ فِي الجَاهِلِيَّةِ). (٤) (٥)
- (لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهْارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالعُزَّى). فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَظنُّ حِيْنَ أَنْزَلَ اللهُ ﴿هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ﴾ (التَّوْبَة:٣٣) أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا. قَالَ: (إنَّهُ سَيَكُوْنُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيْحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيْمَانٍ؛ فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فيهِ فَيَرْجِعُوْنَ إِلَى دِيْنِ آبَائِهِم). رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوْعًا. (٦)
- (لا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ منْ أُمَّتِي بِالمُشْرِكِيْنَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأوْثانَ). (٧)
- (لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٨)، وَفِي رِوَايَةٍ أَحْمَدَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ). (٩)
(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٢٠٨/ ٣): (وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ المَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ حَالَ خَشْيَةِ أَنْ يُصْنَعَ بِالقَبْرِ كَمَا صَنَعَ أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ لُعِنُوا، وَأَمَّا إِذَا أُمِنَ ذَلِكَ فَلَا امْتِنَاعَ وَقَدْ يَقُوْلُ بِالمَنْعِ مُطْلَقًا مَنْ يَرَى سَدَّ الذَّرِيْعَةِ - وَهُوَ هُنَا مُتَّجِهٌ قَوِيٌّ -).
قَالَ الشَّيخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي تَعْلِيْقِهِ عَلَى الفَتْحِ: (بَلْ هَذَا هُوَ الحَقُّ، لِعُمُوْمِ الأَحَادِيْثِ الوَارِدَةِ بِالنَّهْي عَنِ اتِّخَاذِ القُبُوْرِ مَسَاجِدَ، ولَعْنِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ بِنَاءَ المَسَاجِدِ عَلَى القُبُوْرِ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ الشِّرْكِ بِالمَقْبُوْرِيْنَ فِيْهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ).
قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَى أَصْحَابِهِ ﷺ كَمَا فِي حَدِيْثِ (أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُم الشِّرْكُ الأَصْغَرُ) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٢٣٦٣٠) عَنْ مَحْمُوْدِ بْنِ لَبِيْدٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (٩٥١).
بَلْ إِبْرَاهِيْمُ نَفْسُهُ ﷺ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ (إِبْرَاهِيْم:٣٥) فَهَلْ يُؤْمَنُ عَلَى غَيْرِهِ؟! بَلْ أَقُوْلُ: لَا يَأْمَنُ الفِتْنَةَ عَلَى نَفْسِهِ إِلَّا مَفْتُوْنٌ. وَاللهُ تَعَالَى هُوَ المُوَفِّقُ وَهُوَ الهَادِي لِلصَّوَابِ.
(٢) مُسْلِمٌ (٩٦٩).
(٣) قَالَ المَعْرُوْرُ بْنُ سُوَيْدٍ الأَسَدِيُّ؛ خَرَجْتُ مَعَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا صَلَّى بِنَا الغَدَاةَ، ثُمَّ رَأَى النَّاسَ يَذْهَبُوْنَ مَذْهَبًا، فَقَالَ: أَيْنَ يَذْهَبُ هَؤلَاءِ؟ قَيْلَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَسْجِدٌ صَلَّى فِيْهِ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ هُمْ يَأْتُوْنَهُ يُصَلُّوْنَ فِيْهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم بِمِثْلِ هَذَا - يَتَّبِعُوْنَ آثَارَ أَنْبِيَائِهِم، فَيَتَّخِذُوْنَهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا -، مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ المَسَاجِدِ فَلْيُصَلِّ؛ وَمَنْ لَا فَلْيَمْضِ، وَلَا يَتَعَمَّدْهَا). صَحِيْحٌ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي المُصَنِّفِ (٧٥٥٠). اُنْظُرْ تَخْرِيْجَ أَحَادِيْثِ فَضَائِل الشَّامِ وَدِمَشْقَ (ص٥٠) لِلشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ ﵀.
(٤) البُخَارِيُّ (٧١١٦)، وَمُسْلِمٌ (٢٩٠٦) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا.
(٥) وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهَا جَرِيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ البَجَليُّ كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٣٠٢٠)، وَفِيْهِ قَوْلُهُ ﷺ: (أَلَا تُرِيْحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟) فَقَالَ جَرِيْرٌ: فَنَفَرْتُ فِي مَائَةٍ وَخَمْسِيْنَ رَاكِبًا، فَكَسَرْنَاهُ، وقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ) - وَفِي لَفْظٍ لَهُ (٤٣٥٧) - (كَانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتًا بِاليَمَنِ لِخَثْعَمَ وبَجِيلةَ؛ فِيْهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهَا: الكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا).
(٦) مُسْلِمٌ (٢٩٠٧).
(٧) صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٢٥٢) عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوْعًا. صَحِيْحُ الجَامِعِ (٢٦٥٤).
(٨) قَالَ القُرْطُبِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (التَّذْكِرَةُ) (ص١٣٥١): (قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِم: قُيِّدَ (الله) بِرَفْعِ الهَاءِ وَنَصْبِهَا، فَمَنْ رَفَعَهَا؛ فَمَعْنَاهُ ذَهَابُ التَّوْحِيْدِ، وَمَنْ نَصَبَهَا؛ فَمَعْنَاهُ انْقِطَاعُ الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ. أَيْ: لَا تَقُوْمُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُوْلُ: اتَّقِ اللهَ).
(٩) مُسْلِمٌ (١٤٨)، وَأَحْمَدُ (١٣٨٣٣) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا.
1 / 166