At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
ژانرونه
الشَّرْحُ
- قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِيْنِكُمْ وَلَا تَقُوْلُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيْحُ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُوْلُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوْحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُوْلُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيْلًا﴾ (النِّسَاء:١٧١).
- أَوْرَدَ المُصَنِّفُ ﵀ هَذَا البَابَ لِبَيَانِ أَسْبَابِ وَذَرَائِعِ الشِّرْكِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الأُصُوْلَ وَالعَقَائِدَ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ أَيْ: لَا تَتَجَاوَزُوا الحَدَّ مَدْحًا أَوْ قَدْحًا. (١)
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَا تَقُوْلُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ﴾ أَيْ: لَا تَصِفُوْهُ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رُسُلُهُ.
وَفِيْهِ بَيَانُ تَحْرِيْمِ القَوْلِ بِالرَّأْي فِي الدِّيْنِ مِمَّا لَا يَسْتَنِدُ إِلَى دَلِيْلٍ شَرْعِيٍّ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا المَسِيْحُ عِيْسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُوْلُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ﴾: هَذِهِ صيْغَةُ حَصْرٍ، وَفَائِدَتُهَا الإِعْلَامُ بِأَنَّه ﷺ لَيْسَ لَهُ مِنَ الأُلوْهيَّةِ شَيْءٌ. وَفِيَها بَيَانُ أُمُوْرٍ:
فِي قَوْلِهِ ﴿ابْنُ مَرْيَمَ﴾: أَضَافَهُ إِلَى أُمِّهِ لِيَقْطَعَ قَوْلَ النَّصَارَى الَّذِيْنَ يُضِيْفُوْنَهُ إِلَى اللهِ.
فِي قَوْلِهِ ﴿رَسُوْلُ اللهِ﴾: تَكْذِيْبٌ لِقَوْلِ اليَهُوْدِ: إِنَّهُ كَذَّابٌ، وَلِقَوْلِ النَّصَارَى: إِنَّهُ إِلَهٌ.
فِي قَوْلِهِ ﴿وَكَلِمَتُهُ﴾: إِبْطَالٌ لِقَوْلِ اليَهُوْدِ: إِنَّهُ ابْنُ زِنَى.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾: أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِيْسَى ﵊ كَغِيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ جَسَدٍ وَرُوْحٍ، وَإِضَافَةُ الرُّوْحِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ هِيَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيْفِ وَالتِّكْرِيْمِ؛ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ آدَمَ ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوْحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِيْنَ﴾ (ص:٧٢)، فَهَذِهِ أَيْضًا لِلتَّشْرِيْفِ وَالتَّكْرِيْمِ. (٢)
(١) حَيْثُ قَالَتِ النَّصَارَى: إِنَّهُ ابْنُ اللهِ، وَجَعَلُوْهُ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ، وَأَمَّا اليَهُوْدُ غَلَوا فِيْهِ فقَدَحُوا فِيْهِ، وَقَالُوا: إِنَّ أُمَّهُ زَانِيَةٌ، وَإِنَّهُ وَلَدُ زِنَى، وَكُلُّ ذَلِكَ - مِنَ الإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيْطِ - هُوَ خِلَافُ المَنْهَجِ الوَسَطِ - مَنْهَجِ أَهْلِ الإِسْلَامِ مِنِ اعْتِقَادِهِم فِي عِيْسَى ﵊ أَنَّهُ عَبْدٌ رَسُوْلٌ.
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤٧٩/ ٢): (فَقَوْلُهُ فِي الآيَةِ وَالحَدِيْثِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيْعًا مِنْهُ﴾ (الجَاثِيَة:١٣) أَيْ: مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ، وَلَيْسَتْ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ - كَمَا تَقُوْلُهُ النَّصَارَى - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللهِ المُتَتَابِعَةُ، بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الغَايَةِ، كَمَا فِي الآيَةِ الأُخْرَى.
وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ أَيْ: وَرَسُوْلٌ مِنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ.
وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ أنَّه مَخْلُوْقٌ مِنْ رُوْحٍ مَخْلُوْقَةٍ، وَأُضِيْفَتِ الرُّوْحُ إِلَى اللهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيفِ؛ كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالبَيْتُ إِلَى اللهِ فِي قَوْلِهِ ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ﴾ (هُود:٦٤)، وَفِي قَوْلِهِ ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِيْنَ﴾ (الحَجِّ:٢٦».
1 / 143