127

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

ژانرونه

- فِي عِبَارَةِ شَيْخِ الإِسْلَامِ ﵀ بَيَانُ شَرْطَيِّ الشَّفَاعَةِ، فَالأَوَّلُ: أَنَّ المَلَائِكَةَ لَا تشفعُ إلّا لِمَنْ ﵁. وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ صَاحِبُ المَقَامِ المَحْمُوْدِ الَّذِيْ ثَبَتَتِ الشَّفَاعَةُ فِي حَقِّهِ - هُوَ نَفْسُهُ لَا يَشْفَعُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ؛ فَيُقَالُ: (يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ). (١) - إِنَّ طَلَبَ الشَّفَاعَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ شِرْكٌ أَكْبَرٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَأَمَّا طَلَبُ الشَّفَاعَةِ مِنَ الحَيِّ فَهُوَ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ سُؤَالِ الحَيِّ الحَاضِرِ القَادِرِ (٢)، كَسُؤَالِ النَّاسِ لِلأَنْبِيَاءِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي مَوْقِفِ الشَّفَاعَةِ الكُبْرَى، فَهُمْ أَحْيَاءٌ قَادِرُوْنَ عَلَى الإِجَابَةِ، أَمَّا الآنَ - فِي الدُّنْيَا - فَهُمُ أَمْوَاتٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُوْنَ﴾ (الزُّمَر:٣٠). قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيْحَةِ (٥/ ٤٥٩) فِي سِيَاقِ الكَلَامِ عَلَى حَدِيْثِ الشَّفَاعَةِ الكُبْرَى: (وَلَيْسَ فِيْهِ جَوَازُ الاسْتِغَاثَةِ بِالأَمْوَاتِ - كَمَا يَتَوَهَّمُ كَثِيْرٌ مِنَ المُبْتَدِعَةِ الأَمْوَاتِ! - بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الاسْتِغَاثَةِ بِالحَيِّ فِيْمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ). وَفِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى ذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ﵀ أَنْوَاعَ التَّوَسُّلِ، وَذَكَرَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مَا نَصُّهُ: (التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ، وَيَكُوْنُ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ يَتَوَسَّلُوْنَ بِشَفَاعَتِهِ). (٣) (٤)

(١) فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَا يُدْخِلُ مَنْ شَاءَ إِلَى الجَنَّةِ؛ بَلِ اللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِيْ يَحُدُّهُمُ لَهُ كَمَا فِي المُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوْعًا فِي حَدِيْثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيْلِ؛ وَفِيْهِ (فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي؛ فَيُؤْذَنَ لِي، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيْدٍ يُعَلِّمُنِيْهِ ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا؛ فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٤٧٦)، وَمُسْلِمٌ (١٩٣). (٢) وَقَدْ تقرَّرَ فِي الشَّرِيْعَةِ أَنَّ الكُفَّارَ كَانُوا يَدْعُوْنَ آلهَتَهُم مِنْ بَابِ الشَّفَاعَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُوْنَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ) (يُوْنُس:١٨). وَأَمَّا سُؤَالُ الحَيِّ الحَاضِرِ القَادِرِ أَنَّ يَشْفَعَ لَهُ (يَطْلُبَ لَهُ) فَهُوَ ثَابِتٌ شَرْعًا فِي أَحَادِيْثَ كَثِيْرْةٍ مِثْلَ حَدِيْثِ الضَّرِيْرِ فِي طَلَبِ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ لُهُ، وَفِيْهِ (اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (١٧٢٤٠). صَحِيْحُ الجَامِعِ (١٢٧٩). وَسَيَأْتِيْ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي الحَدِيْثِ عَنِ التَّوَسُّلِ. وَكَمَا فِي حَدِيْثِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ أُدْعُ اللهَ لِيَ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٦٥٤١)، وَمُسْلِمٌ (٢٢٠). فَالأَوَّلُ بِصَرِيْحِ لَفْظِ الشَّفَاعَةِ، وَالثَّانِيْ بِمَعْنَاهُ. (٣) مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى (٢٠٢/ ١). (٤) وَفِي التِّرْمِذِيِّ (٢٤٣٣) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَ: (أَنَا فَاعِلٌ)، قَالَ: قُلْتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: (اُطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ)، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: (فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيْزَانِ)، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْد المِيْزَانِ؟ قَالَ: (فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الحَوْضِ، فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ المَوَاطِنِ). صَحِيْحُ التِّرْمِذِيِّ. الصَّحِيْحَةُ (٢٦٣٠).

1 / 127