اسرار قصور
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
ژانرونه
وطار الخبر للحال في الأستانة فقامت لهذا النبأ وقعدت، وكانت تلك الحادثة الضربة القاضية على عقل السلطان مراد، فاختل شعوره تماما، وتخلى مضطرا عن العرش إلى أخيه عبد الحميد أفندي (السلطان الحالي).
الفصل الثامن عشر
الجزاء
وتجمع في غد ذلك النهار المشئوم خلق كثير من رجال ونساء في ساحة السر عسكرية حتى ضاقت بهم على رحبها، وذلك قبل أن تطلع الشمس، وخرجت الباعة والأولاد كأنه عيد رمضان، ثم رفع العلم ودقت الطبول، واصطفت الجنود، وفتح باب السجن، وظهر من ورائه عدد من الضباط يحيطون برجل بقميص أبيض، فقال الناس: ها هو ... وأخذوا يتساءلون لم هو على هذه الحالة، فكان يجيبهم بعض العارفين البعض قد حوكم مساء أمس فحكم عليه بالإعدام بعد تجريده من رتبته، ثم نقلوه إلى عربة، وخرجت من الساحة الداخلية إلى الفسحة الخارجية، ووقفت أمام الأشجار التي تظللها، فانحدر منها حسن الشركسي ضعيفا هزيلا متكئا على ذراعي اثنين من الشرطة، وساد الصمت على الناس كأن على رءوسهم الطير، ثم قرعت الطبول ثانية، وتقدم إمام فرقته، وتلا على مسامعه حكم الإعدام فلم يصغ حسن إليه، وكان قد علق حبل في أحد أغصان شجرة قديمة، فلما فرغ الإمام من تلاوة الحكم قرأ بعض آيات قرآنية، وقدم إليه المصحف فقبله، والناس مدهوشون كيف تمكن رجل بذلك الهزال من الإقدام على تلك الأعمال الغريبة، وأخيرا تقدم وهو ساكن الجأش، فوضعوا عقدة الحبل في عنقه، ورفعوا الكرسي من تحت قدميه، فتدلى جسده، وبدأت رقبته تمتد، والناس متأثرون من كيفية نزاع ذلك البطل. فلما خمدت أنفاسه تقدم واحد وعلق على صدره صورة الحكم، وقد كتبوا عليها:
ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ، وتركوه طول ذلك النهار معلقا. •••
ومرت في تلك الساعة عربة قادمة من أسكى قبور، وفيها شيخ هرم معه تابوت من خشب السرو، وكان ذلك الشيخ أحمد خادم عائشة الذي لبث سبع سنوات في سجنه جزاء أمانته لمولاته ... وكانت جثة صلاح الدين في ذلك التابوت ينقلها ذلك الشيخ إلى سالونيك؛ ليدفنها قرب عائشة حبيبته عملا بوصيته، وكأننا بهما وقد تعذر عليهما الاقتران في الحياة كانا يودان ألا يحرمانه بعد الممات، ثم أطل ذلك الشيخ رأسه من نافذة العربة، وتأمل في جثة حسن معلقة والناس من حولها وقوف يتأملون، فتنهد وقال: اللهم قد سبق عدلك جزاك ... فأنت العادل وأنت الرحمن الرحيم.
انتهت «وكان الفراغ من تسويد هذه الرواية في باريس مساء 30 أيار سنة 1897م.»
أمين أرسلان
ناپیژندل شوی مخ