تخيلت جيل نفسها تتحدث إلى ويل قائلة: «أعتقد إذن أن هذه هي الطريقة التي سنصل بها إلى الجنة. سيلقي الناس عليك أكاليل الزهور التي لا رغبة لك فيها، وسيعاني الجميع من حالات صداع وإمساك، وسيتطلب الأمر رشا بالمبيدات للتخلص من الجراثيم الأرضية.»
كانت عادتها التفكير في أمور بارعة ومرحة لتلقيها على مسامع ويل. •••
بعد رحيل ويل، بدا لجيل أن محلها يحتشد بالنساء؛ لسن بالضرورة ممن يشترين الملابس. لم تكن تمانع بهذا. كان الأمر أشبه بالأيام الخوالي قبل ويل. النسوة كن يجلسن على كراسي عتيقة ذات ذراعين إلى جوار طاولة الكي وطاولة التفصيل اللتين تخصان جيل وراء الستائر المزخرفة الباهتة، وكن يحتسين القهوة. شرعت جيل في طحن حبوب القهوة بنفسها كعادتها دائما، وسرعان ما ازدان تمثال عرض الملابس بالخرز، إضافة إلى بعض الرسوم الفاضحة المتفرقة. ثمة قصص تروى عن الرجال، وعادة عن رجال رحلوا؛ عن أكاذيب وظلم ومواجهات، وخيانات بشعة جدا - ومبتذلة جدا في الوقت نفسه - لدرجة أن من يسمعها ينفجر ضحكا. كان الرجال يلقون أعذارا سخيفة واهية (آسف، لم أعد أشعر بالالتزام نحو هذه العلاقة الزوجية). عرضوا على زوجاتهن بيع السيارات والأثاث الذي دفع الزوجات ثمنه أساسا. كانوا يتفاخرون لمجرد أنهم جعلوا ساقطة أصغر سنا من أبنائهم حاملا. كانوا قساة القلب طفوليين. ماذا يمكنك أن تفعلي سوى الكف عن الثقة؛ الكف عن الثقة بهم وعن تصديقهم بشرف وكبرياء ولمصلحتك الشخصية؟
سرعان ما ذوت متعة جيل بكل ذلك؛ فالكثير من القهوة يمكن أن يجعل بشرتك تبدو أشبه بلون الكبد. ثمة شجار نشب في الخفاء بين النساء عندما اتضح أن واحدة منهن نشرت إعلانا في عمود الإعلانات الشخصية. انتقلت جيل من احتساء القهوة مع الأصدقاء إلى احتساء المشروبات برفقة كليتا؛ والدة ويل، ومن العجيب أنها عندما أحدثت هذا التغيير في حياتها، أصبحت تصرفاتها أكثر رصانة. ما زالت الملاحظات التي تعلقها على بابها كي يتسنى لها الرحيل مبكرا خلال فترة الظهيرة في الصيف تتسم بشيء من التخبط. (كانت دونالدا - الموظفة التي تعمل لديها - في إجازة، وكان من الصعب بمكان تعيين غيرها.)
ذهبت إلى الأوبرا.
ذهبت إلى المصحة.
ذهبت لأجلب الخيش والرماد تعبيرا عن ندمي (كما في العهد القديم).
حقيقة الأمر أن هذه العبارات لم تكن من بنات أفكارها، لكنها أشياء اعتاد ويل أن يكتبها ويلصقها على بابها في الأيام الخوالي عندما أرادا الارتقاء إلى مستوى أعلى. سمعت أن مثل هذا الأسلوب التهكمي لم يكن محل تقدير عند الذين قطعوا مسافة طويلة لشراء فستان لحفل زفاف، أو الفتيات اللائي خرجن لشراء ملابس الجامعة. لم تكن تكترث.
شعرت جيل بارتياح في شرفة كليتا، وأمست متفائلة بغير سبب واضح. شأنها شأن أغلب السكيرين، التزمت كليتا بشراب واحد - الخمر الاسكتلندية - وبدا أنها تستمتع بتنويعات منه، لكنها كانت تعد خمر الجين بالتونيك وشراب الرم الأبيض بالصودا، وعرفتها على الخمر المكسيكية الذي يعرف باسم «تيكيلا». قالت جيل بين الحين والآخر: «هذه هي الجنة.» ولم تقصد الخمر فحسب، بل أيضا الشرفة المغطاة بالزجاج، والساحة الخلفية المسيجة، والمنزل العتيق وراءهما بنوافذه الموصدة، وأرضياته المطلية بطلاء لامع، وخزانات المطبخ العالية على نحو مبالغ فيه، وستائره القديمة المزدانة بالأزهار (كانت كليتا تمقت أعمال الديكور). هذا هو البيت الذي ولد فيه ويل وكليتا أيضا، وعندما دعا ويل جيل للعيش فيه لأول مرة، حدثت جيل نفسها أن هذه هي حياة المتمدنين حقا؛ مزيج من خلو البال والخصوصية، واحترام الكتب القديمة والصحون العتيقة؛ الأمور السخيفة التي ظن ويل وكليتا أنه من الطبيعي الحديث عنها. أما الأمور التي لم تتطرق إليها هي وكليتا في حديثهما، فهي انحراف ويل الحالي، والمرض الذي جعل أطراف كليتا تبدو كفروع الأشجار المطلية نتيجة اسمرارها الشديد، والذي جوف وجنتيها المحاطتين بشعرها الأشيب المعقوص إلى الوراء. هي وويل يمتلكان وجها أشبه إلى حد ما بوجوه القردة بأعينها الداكنة الحالمة الساخرة.
بدلا من ذلك، تحدثت كليتا عن الكتاب الذي كانت تطالعه؛ «التاريخ الأنجلوسكسوني». قالت إن السبب وراء تسمية عصور الظلام بهذا الاسم ليس أننا لم نستطع أن نتعلم شيئا منها؛ بل لأننا لم نستطع تذكر أي شيء تعلمناه عنها؛ وذلك بسبب الأسماء.
ناپیژندل شوی مخ