ولكن لنفترض أن عينيك وقعتا على شيء بالفعل، لا على غرار المسيح، ولكن شيء ما. هذا ما حدث لمورين؛ فأحيانا وهي على وشك أن تخلد إلى النوم، وقبل أن تستغرق فيه وتداهمها الأحلام، كانت ترى أشياء، أو حتى خلال النهار وأثناء ما تعتبره حياتها العادية، قد ترى نفسها جالسة على درجات حجرية تتناول الكرز وتراقب رجلا يصعد الدرج حاملا رزمة. لم تقع عيناها قط على تلك الدرجات أو ذاك الرجل، ولكن، لوهلة، بدت الدرجات والرجل جزءا من حياة أخرى تحياها؛ حياة طويلة ومعقدة وغريبة ومملة كحياتها هذه. وهي لم تفاجأ؛ فإحاطتها علما بالحياتين في الوقت نفسه مجرد ضربة حظ، خطأ سرعان ما جرى تصحيحه. حدثت نفسها فيما بعد بأن الأمر يبدو عاديا جدا؛ الكرز، والرزمة.
ما تراه الآن لا وجود له في حياتها. ترى يدا من هاتين اليدين غليظتي الأصابع اللتين قبضتا على مفرش طاولتها، ومسدتا على الريش، ترى تلك اليد وهي مثبتة في مكانها دون مقاومة، ولكن بفعل إرادة شخص آخر؛ تراها مثبتة على مشعل الموقد حيث تعكف على تقليب الكاسترد في القدر المزدوج، واستقرت هناك لثانية أو ثانيتين بما يكفي فحسب لتلفح النار اللحم الموجود على مشعل الموقد الملتهب، لتلفحه لا لتشوهه. كل ذلك يحدث في صمت وباتفاق سابق؛ فعل عارض وبربري وضروري. هكذا بدا الأمر. اليد التي أنزل بها العقاب داكنة كقفاز أو كظل يد، والأصابع مبسوطة. ما زالت ترتدي الملابس نفسها؛ الكم الأصفر الفاتح والأزرق الباهت. •••
سمعت مورين أصوات حركة زوجها في الردهة الأمامية، فأطفأت الموقد ووضعت الملعقة وذهبت إليه؛ كان قد هندم ثيابه وأعد نفسه للخروج. كانت تعلم دون أن تسأله إلى أين هو ذاهب؛ سيقصد مخفر الشرطة ليبحث عن البلاغات المقدمة والإجراءات التي اتخذت.
قالت: «ربما من الأفضل أن أقلك؛ فالجو حار بالخارج.»
هز رأسه رافضا وتمتم بشيء غير مفهوم. «أو يمكنني أن أسير إلى جوارك.»
لا؛ فهو سيخرج في مهمة جادة، وسيقلل من شأنه أن تصحبه زوجته أو تقله.
فتحت له الباب الأمامي وقال لها: «أشكرك.» بنبرته القاسية النادمة على نحو غريب. وبينما يمر من أمامها، يميل بجسده نحوها ويزم شفتيه على مقربة من وجنتها دون أن يمسها.
لقد رحلا، ولم يعد ثمة أحد يجلس على الجدار الآن. •••
لن يعثر أحد على هيذر بيل. لا وجود لجثتها، ولا أثر لها. اختفت كالرماد. صورتها التي انتشرت في الأماكن العامة ستذوي وتمسي باهتة، وستبدو ابتسامتها الصامتة بشفتيها المزمومتين وكأنها تحاول كتم ضحكة عديمة الاحترام، ستبدو مرتبطة باختفائها أكثر من ارتباطها بسخريتها من مصورة المدرسة، وسيظل في صورتها دوما إيحاء طفيف بإرادتها الحرة وروحها الوثابة.
ولن يجدي السيد سيديكاب نفعا أبدا؛ سيظل مذبذبا بين حيرته ونوباته، ولن يجدوا شيئا عندما يفتشون بيته، إلا إذا وضعت في الحسبان تلك الملابس الداخلية القديمة لزوجته، وعندما ينقبون في حديقته، لن يعثروا إلا على عظام قديمة دفنتها الكلاب، وسيظل كثيرون يعتقدون أنه أقدم على شيء ما أو رأى شيئا ما. «كان له علاقة بما حدث.» وعندما سيودع مستشفى الأمراض العقلية الإقليمي، الذي سمي فيما بعد مركز الصحة العقلية، ستتلقى الصحيفة المحلية رسائل من القراء عن الاحتجاز الوقائي، والتحرك بعد فوات الأوان.
ناپیژندل شوی مخ