عندما كانت سيلفيا تعمل لنوبات متأخرة بالمستشفى، كنت أدعو نيلسون أحيانا لمشاطرتنا الطعام بطريقة أقل رسمية. اعتدنا على صمته وميله إلى اللامبالاة أثناء الوجبات، وحقيقة هو لا يأكل الأرز أو النودلز أو الباذنجان أو الزيتون أو الجمبري أو الفلفل أو الأفوكادو، وغير ذلك من أطعمة كثيرة؛ لأنها ليست بالأطعمة الشائعة في بلدته بشمال أونتاريو.
بدا نيلسون أكبر سنا مما هو عليه في الواقع. كان قصير القامة، قوي البنية، شاحب البشرة، عابس الوجه، ينم محياه عن ازدراء الراشدين ومشاكسة جاهزة، لدرجة أنه بدا أشبه بمدرب هوكي، أو رئيس عمال ذكي وأمي ومنصف وبذيء اللسان، منه بطالب خجول يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما.
لكنه لم يكن خجولا متى تعلق الأمر بالحب؛ فقد اكتشفت أنه واسع الحيلة شديد الإصرار. كان الإغواء متبادلا بيننا، وكانت هذه أول علاقة غرامية لنا. سمعت أحدهم ذات مرة يقول في حفل من الحفلات إن أفضل ما في الزواج أن المرء يستطيع أن يقيم علاقات غرامية حقيقية خلاله؛ فالعلاقة الغرامية السابقة على الزواج قد يتبين أنها لا تزيد عن مجرد تودد. شعرت بالاشمئزاز من كلامه، والخوف من أن تكون الحياة بهذه الكآبة والعبث، ولكن ما لبثت أن بدأت علاقتي الغرامية بنيلسون، انتابني دوما شعور بالذهول؛ فلم تكن العلاقة كئيبة ولا عابثة، بل اتسمت بالجموح، ووضوح الرغبة، والإغواء الصريح.
كان نيلسون أول من كان عليه مواجهة تبعات العلاقة. ظهر يوم من الأيام، أشاح بوجهه عني وقال بخشونة وتحد: «سيتعين علينا الرحيل.»
حسبت أنه يعني أنه وسيلفيا سيتعين عليهما الرحيل، فمن غير المنطقي أن يواصلا العيش في هذا البيت، لكنه كان يقصد أنا وهو. «علينا» كانت تعني أنا وهو. لا شك أن كلينا تحدث عن اتفاقاتنا وتجاوزاتنا بصيغة «المثنى»، وها هو الآن يستخدم الصيغة نفسها إشارة إلى القرار الذي يتحدث عنه، وربما في إشارة إلى حياة نحياها معا.
من المفترض أن أطروحتي تتناول الروايات اللاحقة لماري شيلي؛ تلك التي لا يعرف عنها أحد شيئا. «لودور» و«بيركين وربيك» و«الرجل الأخير»، لكنني في حقيقة الأمر كنت أكثر اهتماما بحياة ماري قبل أن تتعلم دروسها القاسية، وتستقر لتربي ابنها وتؤهله ليكون بارونا. كنت أعشق القراءة عن النساء الأخريات اللائي كرهن ماري شيلي، أو حقدن عليها، أو تسكعن معها: هارييت الزوجة الأولى لشيلي زوج ماري، وفاني إملاي التي كانت أخت ماري غير الشقيقة، وربما كانت تهيم هي نفسها عشقا بشيلي، وماري جين كليرمونت؛ أخت ماري غير الشقيقة التي صادف أن اسمها على اسمي - كلير - ورافقت ماري وشيلي في رحلتهم لقضاء شهر العسل - التي قاما بها دون أن يتزوجا - كي تتمكن من مواصلة مطاردة بايرون. كثيرا ما كنت أقص على دونالد قصص ماري الطائشة، وشيلي المتزوج، ولقائهما أكثر من مرة عند قبر والدة ماري، كما كنت أتحدث عن انتحار هارييت وفاني، وإصرار كلير التي أنجبت طفلا من بايرون ومثابرتها، لكنني لم أذكر كل هذه الروايات لنيلسون؛ من ناحية لأنه لم يكن لدينا الوقت الكافي لتبادل أطراف الحديث، ومن ناحية أخرى كي لا يحسب أنني أجد شيئا من العزاء أو الإلهام في ذاك المزيج من الحب واليأس والخيانة والدراما المبالغ فيها. لم أرد أن أفكر أنا نفسي في ذلك. ولم يكن نيلسون من عشاق القرن التاسع عشر أو الرومانسيين. هذا ما صرح به؛ قال إنه يود أن ينجز بحثا عن كاشفي الفساد في المجتمع، ولعله كان يمزح بهذا الصدد.
لم تكن سيلفيا تتصرف كهارييت؛ فعقلها لم يؤثر فيه الأدب أو يعرقله، وعندما اكتشفت ما كان يجري، ثارت ثائرتها.
قالت لنيلسون: «أيها الأحمق الثرثار.»
وقالت لي: «أيتها العاهرة المخادعة.»
كان أربعتنا في غرفة المعيشة. بادر دونالد بتنظيف غليونه وملئه وضبطه وفحصه وإشعاله وتجريبه، ثم إعادة إشعاله من جديد، تماما مثلما يفعل ممثل في فيلم سينمائي، لدرجة أنني شعرت بالحرج له. وبعدها وضع بعض الكتب وأحدث إصدار من مجلة «ماكلينز» في حقيبته، وذهب إلى دورة المياه ليجلب شفرتي ماكينة الحلاقة خاصته، ومنها إلى غرفة النوم ليجلب منامته، ثم خرج.
ناپیژندل شوی مخ