60

أجابها الفرنسيسكاني: «اتركيها.»

وبهذه الطريقة رحلت، ولم تترك الأغنام فحسب، بل مأواها أيضا، والمرج، والعنب البري والسماق وشجرة السمن، وأشجار العرعر، وشجيرات البلوط التي كانت تتطلع إليها طوال الصيف، وجلود الأرانب التي استخدمتها كوسادة لها، والمقلاة التي كانت تحمص فيها القهوة، وكومة الأخشاب التي جمعتها لتوها صباح هذا اليوم، والأحجار المحيطة بالنار التي أشعلتها؛ كل حجر منها مميز بشكله ولونه. فهمت أنها سترحل؛ لأن القس الفرنسيسكاني كان صارما جدا، لكنها لم تستوعب الموقف بطريقة تجعلها تتطلع إلى ما حولها لتراه للمرة الأخيرة. لم يكن ذلك ضروريا على أية حال؛ فهي لن تنسى أيا من تلك الأشياء أبدا.

بينما دخلا غابة أشجار الزان، قال الفرنسيسكاني: «الآن يجب أن نلتزم الصمت الشديد. سأسلك دربا آخر بعيدا عن «الكولا». إذا سمعنا أحدا يسلك الدرب نفسه، فعلينا أن نتوارى عن الأنظار.»

ساعات من المشي في صمت مطبق بين أشجار الزان بلحائها الأملس الضخم، وأشجار البلوط ذات الأطراف السوداء، وأشجار الصنوبر الجافة. صعدا وهبطا، وعبرا سلاسل التلال، واختار القس دروبا لم تكن لوتار تعرف أنها موجودة أصلا. لم يتردد الفرنسيسكاني قط في مسيرته، ولم يقترح أي استراحة قط، وعندما خرجا من بين الأشجار أخيرا، ذهلت لوتار إذ اكتشفت أن الشمس ما زالت في كبد السماء.

أخرج الفرنسيسكاني رغيفا من الخبز وسكينا من جيب في ثيابه، وتناولا الطعام خلال رحلتهما.

وصلا إلى قاع نهر جاف وممهد بأحجار غير مسطحة يصعب على المرء السير عليها؛ سيل ساكن من الأحجار بين حقول الذرة والتبغ. تناهى إلى مسامعهما نباح الكلاب، وأحيانا أصوات الناس. كانت نباتات الذرة والتبغ التي لم تحصد بعد أعلى من رأسهما، فسارا بطول النهر الجاف مستترين بهذا الستار بينما زالت شمس النهار تماما، ولما لم يعد بإمكانهما متابعة المسير، وسترتهما ظلمة الليل، جلسا على الأحجار البيضاء لقاع النهر الجاف.

سألته لوتار أخيرا: «إلى أين ستأخذني؟» في البداية، ظنت أنهما يسيران لا محالة باتجاه الكنيسة وبيت القس، لكنها اكتشفت الآن أن هذه لا يمكن أن تكون وجهتهما؛ فقد كانا قد ابتعدا كثيرا.

أجابها الفرنسيسكاني: «سأصحبك إلى بيت الأسقف. سيعرف كيف يتصرف معك.»

قالت لوتار: «ولم لا تأخذني إلى بيتك؟ يمكنني أن أعمل خادمة في بيتك.» «هذا أمر محظور؛ فلا يسمح بتشغيل خادمة في بيتي، أو في بيت أي قس، وهذا الأسقف لن يسمح حتى لامرأة عجوز أن تعمل خادمة لديه. وهو على حق؛ فوجود امرأة بالبيت يثير المشكلات.»

بعد أن ارتفع القمر في كبد السماء، تابعا مسيرتهما، وطفقا يمشيان ويستريحان مرارا وتكرارا، لكنهما لم يخلدا للنوم قط، بل إنهما حتى لم يبحثا عن مكان مريح للاستلقاء. كانت أقدامهما قوية، ونعالهما بالية، لكنهما لم يصابا ببثور؛ فقد كانا معتادين على المشي لمسافات طويلة؛ الفرنسيسكاني في أبرشيته مترامية الأطراف، ولوتار في رعايتها للأغنام ومتابعتها.

ناپیژندل شوی مخ