عندما كانت محمولة على الأعناق عبر غابة الصنوبر، أفاقت ووجدت نفسها مكبلة ومستسلمة - على الرغم من الألم، ربما بفعل شراب «راكي » - استسلام المذهول. استقرت عيناها على الحزمة التي كانت متدلية من سرج الرجل السائر أمامها، ترتطم بمؤخرة الحصان، كانت بحجم ثمرة الكرنب الملفوفة في قماش متيبس ورث الهيئة. •••
سمعت هذه القصة في مستشفى سانت جوزيف القديم في فيكتوريا من شارلوت التي كانت صديقتي خلال أيامي الأولى هناك. بدت صداقاتي حينئذ حميمة وغامضة. لم أعرف قط لماذا كان الناس يقصون علي قصصهم، أو ما الذي أرادوا مني تصديقه.
جئت إلى المستشفى بالورود والشيكولاتة. رفعت شارلوت رأسها بشعرها المقصوص الخفيف الأبيض اللون لترى الورود، وقالت: «عجبا! لا رائحة لها! على الأقل بالنسبة إلي. إنها جميلة لا شك.» وأضافت: «يجب أن تأكلي الشيكولاتة بنفسك، فكل شيء طعمه كالقطران في فمي. لا أدري كيف تأتى لي أن أعرف طعم القطران، ولكن هذا هو ظني.»
كانت محمومة، وعندما أمسكت بيدها، وجدتها ساخنة ومتورمة. قص أحدهم شعرها بالكامل مما جعلها تبدو وكأنها فقدت بعضا من لحمها المحيط بوجهها وعنقها، وبدا الجزء المغطى من جسدها بملاءات المستشفى مترهلا ومتكتلا كما هو شأنه دائما.
قالت: «لكن لا تحسبي أنني ناكرة للجميل! اجلسي، أحضري الكرسي الذي هناك، فهي لا تحتاجه.» كان في الغرفة امرأتان أخريان؛ إحداهما بدت وكأنها حفنة من الشعر الأشيب المائل إلى الصفرة موضوعا على الوسادة، والأخرى مقيدة في مقعدها تتلوى وتتذمر.
قالت شارلوت: «هذا مكان مريع! لكن يجب أن نبذل قصارى جهدنا فحسب للتكيف معه. إنني مسرورة جدا لرؤيتك.» وأضافت مشيرة برأسها تجاه السرير المجاور للنافذة: «هذه المرأة لا تكف عن الصراخ طوال الليل. علينا أن نحمد الرب على أنها نائمة الآن. لا يداعب النوم جفوني مطلقا، لكنني أستغل الوقت على الوجه الأمثل. ماذا كنت أفعل في رأيك؟ كنت أعكف على تأليف قصة لفيلم سينمائي! كل تفاصيلها في ذاكرتي، وأريد أن أقصها عليك. تستطيعين الحكم عليها بما إن كانت تصلح لفيلم جيد أم لا. أعتقد أنها تصلح لفيلم جيد. أريد أن تلعب جينيفر جونز دور البطولة فيه؛ ومع ذلك، فإنني لست متأكدة، فهي لم تعد تحتفظ بنفس الروح؛ فقد تزوجت من ذلك المغولي.»
قالت: «اسمعي - لكن هلا رفعت هذه الوسادة قليلا، وراء رأسي؟ - أحداث الرواية تدور في ألبانيا، وتحديدا شمالي ألبانيا التي كانت تعرف حينئذ باسم مالتسيا إي ماد في عشرينيات القرن العشرين عندما كانت الحياة بدائية جدا. تحكي قصة فتاة صغيرة تسافر وحدها، اسمها في القصة لوتار.»
جلست وأعرتها انتباهي، كانت شارلوت تميل للأمام، بل إنها حتى تتأرجح بعض الشيء على فراشها غير الوثير لتؤكد لي على نقطة ما. كانت تلوح بيديها المتورمتين لأعلى ولأسفل، وعيناها الزرقاوان اتسعتا في حسم، ثم من آن لآخر كانت تتكئ على الوسادة مجددا، وتغلق عينيها لكي تستجمع تفاصيل القصة. قالت: نعم، نعم. ثم تابعت الحكاية.
وأخيرا قالت: «نعم، نعم. أعرف كيف تسير الأحداث، ولكن كفاك هذا القدر الآن. عليك العودة غدا لتتعرفي على المزيد. غدا، هل ستأتين؟»
أجبتها: «نعم، غدا.» وبدا أن النعاس غلبها قبل أن تسمع إجابتي. •••
ناپیژندل شوی مخ