جلس إلى إحدى طاولات القراءة حيث يمكنه أن يتطلع بناظريه عبر النافذة، وأمسك بنسخة قديمة من مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» كانت موضوعة على تلك الطاولة. انصرف عن أمينة المكتبة، كان يرى أن هذا هو التصرف السليم ما دام أنها بدت منفعلة بعض الشيء. وفد زوار آخرون على المكتبة، وسمعها تتكلم معهم، بدا صوتها طبيعيا بالقدر الكافي الآن. ظلت فكرة مغادرة المكتبة تراوده، لكنه لم يفعل.
أعجبته النافذة العالية المكشوفة التي انعكس عليها ضوء الليل الربيعي، وراقت له روعة هاتين الغرفتين وطريقة ترتيبهما. أبهرته فكرة تردد الكبار على المكتبة، ومطالعتهم للكتب بانتظام، أسبوعا تلو الآخر، كتابا بعد كتاب، حياة كاملة. هو نفسه كان يطالع الكتب بين الفينة والأخرى كلما رشح له أحدهم كتابا، وعادة كان يستمتع بالكتب التي يطالعها، وبعدها ينتقل إلى قراءة المجلات كي يتابع مستجدات الأمور، ولم يكن يفكر قط في قراءة الكتب حتى يعترض طريقه كتاب جديد بالمصادفة.
كانت ثمة فترات عابرة خلت فيها المكتبة من روادها، ولم يبق إلا هو وأمينة المكتبة.
خلال واحدة من تلك الفترات، دنت منه ووقفت إلى جواره حيث انشغلت بإعادة بعض الصحف إلى مكانها على الرف، وعندما انتهت تحدثت إليه بإلحاح مكبوت. «أظن أن الرواية التي نشرت في الصحيفة عن الحادث كانت دقيقة نوعا ما، أليس كذلك؟»
قال آرثر إنها ربما كانت دقيقة أكثر من اللازم. «لماذا؟ لماذا تقول ذلك؟»
فشرح لها نهم العامة الذي لا ينتهي للتفاصيل المرعبة. هل على الصحيفة أن تشبع نهم قرائها؟
قالت أمينة المكتبة: «أعتقد أن هذا أمر طبيعي، أعتقد أنه من الطبيعي أن يرغب الناس في معرفة الأسوأ. الناس يريدون تصورها، وهذه رغبتي شخصيا. لا أعرف شيئا عن الآلات، ومن الصعب بالنسبة إلي أن أتخيل ما حدث حتى بمساعدة الصحيفة. هل انحرفت الآلة عن مهمتها المعتادة؟»
أجابها آرثر: «لا، لم تمسك الآلة بتلابيبه وتسحبه نحوها كما لو كان ذبيحة؛ جل ما في الأمر أنه ارتكب خطأ ما، أو تصرف بغير حرص على أية حال، فهلك على الفور.»
لم تنبس ببنت شفة، لكنها لم تبرح مكانها.
قال آرثر: «على المرء أن يحتفظ برباطة جأشه أثناء العمل، وألا يسرح بذهنه ولو لثانية واحدة. الآلة خادمك الأمين، وهي خادم ممتاز، لكن لا عقل له.»
ناپیژندل شوی مخ