12

كان يجب أن يلتمس لها العذر، أليس كذلك؟ كان يجب أن يلتمس لها العذر لظنها بعد كل هذه المراسلات أن الشيء الوحيد الذي يستحيل أن يحدث هو ألا يتودد إليها، وألا يتواصل معها مطلقا، وألا يطأ عتبتها بعد كل هذه الوعود. كانت الجنازات تمر من أمام نافذتها دون أن تلقي لها بالا ما دام أنه ليس في تابوت من التوابيت. حتى عندما كانت مريضة في المستشفى، كانت الفكرة المسيطرة عليها هي أنها لا بد أن ترجع، لا بد أن تغادر الفراش، لا بد ألا يظل الباب موصدا في وجهه. تحاملت على نفسها ووقفت وهي تترنح، وعادت للعمل. ذات نهار قائظ، وبينما كانت ترتب الصحف الجديدة على الأرفف، برز اسمه أمام عينيها كحلم من أحلامها التي راودتها وهي محمومة.

قرأت إشعارا عاجلا عن زواجه من الآنسة جريس هورن! لم تكن فتاة تعرفها، لم تكن من مرتادي المكتبات.

كانت العروس ترتدي فستانا من الحرير الرقيق البني المائل إلى الصفرة، يزدان بشريط يمزج بين اللونين البني والأصفر الباهت، وتضع على رأسها قبعة من القش لونها بني فاتح وتزدان بخطوط طولية مخملية بنية اللون.

لم تكن توجد صورة، لم يكن يوجد سوى شريط يمزج بين اللونين البني والأصفر الباهت. هذه هي نهاية قصتها الرومانسية، هذه هي النهاية التي لا مفر منها.

لكن وهي جالسة إلى مكتبها في المكتبة، منذ بضعة أسابيع، في ليلة سبت بعد أن رحل الجميع، وأغلقت هي باب المكتبة، ولما همت بإطفاء الأنوار، اكتشفت قصاصة من الورق، خطت عليها كلمات قليلة: «كنت خاطبا قبل أن أسافر.» بلا اسم؛ لا اسمها ولا اسمه. وكانت صورتها موجودة مطمورة جزئيا تحت النشافة.

كان بالمكتبة تلك الليلة، وكانت تلك الفترة حافلة برواد المكتبة، وكثيرا ما كانت تترك مكتبها بحثا عن كتاب ما، أو لترتيب الأوراق، أو لوضع بعض الكتب على الأرفف. كان في الغرفة نفسها معها وراقبها، وسنحت له الفرصة كي يكتب لها هذا، لكنه لم يدعها تتعرف عليه. «كنت خاطبا قبل أن أسافر.»

سألت لويزا: «هل تعتقد أن الأمر برمته كان مزحة؟ هل تظن أن رجلا يمكن أن يكون شريرا إلى هذه الدرجة؟» «بحسب خبرتي، مثل هذه الخدع تمارسها النساء أكثر من الرجال. لا لا، لا تفكري بهذه الطريقة أبدا، الأرجح أنه كان مخلصا، ولعله انجرف بعض الشيء. هكذا يبدو لك ظاهر الأمور فحسب. كان خاطبا قبل أن يسافر، ولم يتوقع أن يرجع سالما، لكنه عاد سالما، ولما عاد كانت خطيبته بانتظاره؛ ماذا كان بوسعه أن يفعل غير ذلك؟»

سألت لويزا: «ماذا كان بوسعه أن يفعل حقا؟» «لقد حمل نفسه أكثر مما تطيق.»

قالت لويزا: «آه، هذا ما حدث، هذا ما حدث! وماذا عساه أوقعني في هذه الحالة سوى غروري الذي يجب أن يكبح جماحه!» بدت عيناها تبرقان، وبدا تعبير وجهها لئيما، وهي تقول: «ألا تظن أنه أمعن النظر في صورتي، وحدث نفسه أن الأصل ربما يكون حتى أسوأ من تلك الصورة البائسة، فتراجع وانسحب؟»

أجابها جيم فراري: «لا أظن، ولا تحقري من شأنك!»

ناپیژندل شوی مخ