إن قصتها حول نشأتها في دار أيتام وتدربها لدى صانع قبعات، وزواجها، وذهابها إلى نورث هورون، تتفق كثيرا مع ما أخبرتني به، لكن الأحداث في روايتها تختلف فقط فيما يتعلق بوفاة زوجها. في هذا الصدد، إليك ما أخبرتني به:
في أحد الأيام الأولى من شهر أبريل، عندما خرج زوجها وشقيقه لقطع الأشجار، طلب منها أن تعد الطعام لهما من أجل وجبة الظهيرة، وحيث إنها لم تكن قد انتهت بعد من إعداد الطعام عندما هما بالخروج، وافقت على إحضار الوجبة إليهما في الغابة؛ وبناء عليه، خبزت بعض كعك الشوفان وأخذت بعض السمك المملح واقتفت آثارهما، ووجدتهما يعملان على مسافة منها، لكن عندما فتح زوجها كيس الطعام استاء كثيرا؛ لأنها غلفت الطعام بطريقة جعلت كعك الشوفان يتشرب بالزيت المملح من السمك، وكان الطعام مفتتا وكريه المنظر؛ وفي غمرة شعوره بالإحباط ثارت ثائرته، وتوعدها بالضرب عندما تسنح الفرصة لذلك. أدار لها ظهره بعد ذلك وهو جالس فوق جذع شجرة، فالتقطت حجرا وقذفته به، فارتطم برأسه؛ ومن ثم سقط فاقدا الوعي. في واقع الأمر، فارق الحياة. بعد ذلك حملته مع شقيقه وجرت جثمانه إلى المنزل. بحلول ذلك الوقت، هبت عاصفة ثلجية واحتجزا في الداخل. قال شقيقه إنه ينبغي عدم كشف الحقيقة؛ لأنها لم تكن تنوي قتله، ووافقت. بعد ذلك دفناه - وهنا تتفق روايتها ثانية مع روايتك - وكان من الممكن أن تكون هذه هي نهاية الأمر، لكنها ازدادت اضطرابا لاقتناعها أنها نوت قتله قطعا. قالت لو أنها لم تقتله، فهذا كان سيعني تعرضها لمزيد من الضرب المبرح. ولماذا تخاطر بذلك؟ لذا قررت في النهاية الاعتراف بجريمتها، وكما لو كانت تريد إثبات شيء ما، أعطتني خصلة من الشعر متيبسة بالدماء.
هذه روايتها، ولا أصدقها على الإطلاق. ليس ثمة حجر تستطيع هذه الفتاة حمله فيؤدي إلى قتل رجل، فضلا عن القوة التي تستجمعها لإلقائه. استجوبتها في هذه النقطة، فغيرت قصتها وقالت إنه كان حجرا كبيرا استطاعت حمله بيديها الاثنتين، وإنها لم تقذفه بل حطمته فوق رأسه من الخلف. قلت: لماذا لم يمنعك شقيقه؟ فقالت إنه كان ينظر إلى الجهة الأخرى، ثم قلت: لا بد من وجود حجر مخضب بالدماء في مكان ما في الغابة، فقالت إنها أزالت آثار الدماء بالثلوج (في واقع الأمر ليس من المحتمل أن يصل حجر إلى يدها بهذه السهولة، مع عمق الثلوج ذاك). طلبت منها أن تشمر عن ساعديها كي يتسنى لي معرفة مدى قوة عضلاتها التي مكنتها من فعل ذلك الأمر، فقالت إنها كانت قوية العضلات منذ عدة شهور.
استنتجت أنها تكذب، أو متوهمة، لكنني لا أرى شيئا آخر أفعله الآن سوى إيداعها السجن. سألتها ماذا تتوقع أن يحدث لها الآن؟ فقالت: إننا سنحاكمها ثم سنعدمها شنقا. وأضافت: إننا لا نعدم الناس في الشتاء؛ لذا فهي تتوقع أن تمكث هنا حتى الربيع. قالت إننا إذا سمحنا لها بالعمل هنا، فربما ستتولد لدينا رغبة بعد ذلك في استمرارها في العمل وعدم إعدامها. لا أدري من أين أتت بفكرة أن الناس لا يعدمون في فصل الشتاء! لقد أصابتني بالحيرة. ربما نما إلى علمك أن لدينا هنا سجنا جديدا وجيدا جدا، يوفر مستوى جيدا من التدفئة والتهوية للسجناء، ويقدم لهم الطعام والمعاملة اللائقة بكل إنسانية. وترددت شكوى أن بعضهم لا يشعرون بالندم على دخولهم السجن، بل يشعرون أيضا بالسعادة في هذا الوقت من العام، لكن من الواضح أنها لا تستطيع التسكع أكثر من ذلك، وبناء على روايتك فهي غير راغبة في المكوث لدى الأصدقاء، وغير قادرة على توفير منزل لائق لنفسها. إن السجن في الوقت الحالي يمثل مكانا لاحتجاز المختلين عقليا مثلما هو تماما مكان لاحتجاز المجرمين. وإذا اتهمت باختلال عقلي، فإنني أستطيع الإبقاء عليها هنا فترة الشتاء، وربما ترحيلها إلى تورونتو في الربيع. لقد طلبت من طبيب المجيء لزيارتها، تحدثت معها بشأن خطابك وبشأن رغبتك في أن تأتي لرؤيتها، لكنني وجدتها لا تحبذ الأمر على الإطلاق. طلبت ألا يسمح لأي شخص بزيارتها باستثناء السيدة سادي جونستون، وهي غير موجودة في هذه الناحية من البلاد.
سأرفق خطابا كتبته لشقيق زوجها كي ترسله إليه، بحيث يعلم ما قالته ويخبرني عن رأيه في هذا الأمر. أتوجه إليك بالشكر سلفا عن إرسال الخطاب له، وكذلك على ما تكبدته من عناء لإحاطتي علما بالأمر كله مثلما فعلت. أنا عضو بالكنيسة الإنجليزية، لكنني أكن احتراما كبيرا للعمل الذي تقوم به الطوائف البروتستانتية الأخرى في سبيل تحقيق الاستقرار في هذا الجزء من العالم الذي نعيش فيه. لك أن تعلم أنني سأبذل ما في وسعي كي تتمكن من التعامل مع هذه الشابة، لكن ربما يكون من الأفضل الانتظار حتى تتولد لديها الرغبة في ذلك. •••
من الموقر والتر ماكبين إلى السيد جيمس مالن، 18 نوفمبر 1852.
لقد حملت خطابك على الفور إلى السيد جورج هيرون، وأعتقد أنه رد بخطاب يطلعك فيه على ذكرياته عن تلك الأحداث. لقد أصابته الدهشة من ادعاء زوجة شقيقه؛ نظرا لأنها لم تذكر أي شيء من هذا القبيل أمامه أو أمام أي شخص آخر. يقول إن هذا كله من نسج خيالها؛ حيث إنها لم تذهب قط إلى الغابة عندما وقع الحادث، ولم يكن ثمة ما يتطلب وجودها هناك؛ فقد حملا الطعام معهما عندما غادرا المنزل. قال إنه رأى شقيقه يوبخها في وقت آخر عندما أفسدت الكعك؛ عندما وضعته بالقرب من السمك، لكن ذلك لم يحدث في تلك المرة، وكذلك لم تكن ثمة أي أحجار في المكان لارتكاب تلك الفعلة بتهور لو افترض أنها كانت هناك ورغبت في فعل ذلك.
إن تأخري في الرد على خطابك - وهو الأمر الذي أستمحيك عذرا فيه - يرجع إلى إصابتي بوعكة صحية. منيت بنوبة من آلام حصوات الكلى وروماتيزم المعدة أسوأ من أي مأساة حلت بي من قبل. لقد تعافيت نوعا ما الآن، وسأتمكن من ممارسة حياتي الطبيعية بحلول الأسبوع المقبل إذا استمرت الأمور في التحسن.
بخصوص مسألة السلامة العقلية لهذه الشابة، لا أدري ماذا سيقول طبيبك، لكنني فكرت في هذا الأمر واستشرت الرب، وإليك وجهة نظري: ربما أنه في مرحلة مبكرة للغاية من الزواج لم يكن خضوعها لزوجها تاما، وربما كان هناك إهمال من جانبها فيما يتعلق براحته، وربما كانت تستعمل كلمات بذيئة، وتصدر عنها تصرفات مشاكسة، إضافة إلى التجهم والصمت المؤلم الذي يميل إليه جنسها. ونتيجة لحدوث الوفاة قبل تصحيح أي من هذه الأمور، شعرت بندم طبيعي ومكدر، ولا بد أن هذا الشعور استحوذ عليها بشدة لدرجة جعلتها ترى نفسها مسئولة في الواقع عن موته. وبهذه الطريقة، أعتقد أن الكثير من الناس يصابون بالجنون. إن الجنون يؤخذ في البداية من قبل البعض على أنه نوع من العبث، وهذا التفكير السطحي والجريء يعاقبون عليه لاحقا، بعدما يكتشفون أنه لم يعد عبثا، بعدما يكون الشيطان قد سد منافذ الهروب جميعها.
ما زلت آمل في الحديث معها لإقناعها بهذا الأمر. ثمة صعوبات أمامي الآن ليس فقط بسبب جسدي البائس، لكن أيضا لنزولي بمكان قبيح وصاخب أضطر فيه إلى سماع تلك الجلبة التي تفسد نومي وتأملي، وتكدر حتى صلواتي. تهب الريح بضراوة بين جذوع الأشجار، وإن توجهت إلى المدفأة بالأسفل، أرى من يتجرعون المشروبات الكحولية بشراهة وأسمع أقذع الوقاحات، وبالخارج لا يوجد شيء سوى أشجار تسد كل المنافذ، ومستنقع جليدي يمكن أن يبتلع رجلا على صهوة جواده. وعدت بأن تبنى لي كنيسة وسكن، لكن أولئك الذين أعطوني ذلك الوعد زاد انشغالهم بشئونهم الخاصة، ويبدو أن الأمر أرجئ، إلا أنني على الرغم من ذلك لم أتوقف عن إلقاء الوعظ حتى في مرضي وفي أماكن مثل الحظائر والمنازل حسبما يتاح. أشعر بالسعادة كلما تذكرت رجلا عظيما يدعى توماس بوسطن. إنه واعظ عظيم ومفسر لمشيئة الرب؛ في الأيام الأخيرة من مرضه، ألقى موعظة عن عظمة الرب من نافذة حجرته على مسامع جمع يضم ألفي شخص تقريبا تجمعوا في الفناء بالأسفل؛ لذا أنوي أن أستمر في الوعظ حتى النهاية على الرغم من أن رعيتي ستكون أقل عددا. «أي منعطف نجده في طريقنا فهو من صنع الرب.» توماس بوسطن. «إن هذا العالم كالبرية، ربما نغير موقعنا فيه، لكن تحركنا سيكون من موقع في البرية إلى آخر.» توماس بوسطن. •••
ناپیژندل شوی مخ