عندما تخرج جيل لشراء الطعام، فإنها تخرج من الباب الخلفي للبناية، وتسلك دربا ملتويا وصولا إلى المحلات، وعند عودتها من الطريق الخلفي نفسه، تصادف الشاب ذا الشعر الأحمر واقفا بين صناديق القمامة. لو لم يكن طويل القامة على هذا النحو، لظنته متواريا هناك. تتحدث إليه لكنه لا يرد عليها. يتطلع إليها عبر الدموع التي تنهمر في عينيه وكأنها ليست سوى زجاج مموج؛ شيء معتاد.
سألته جيل: «هل والدك مريض؟» استنتجت أن هذه هي العلاقة التي تربطهما لا محالة، ولو أن الفجوة العمرية بينهما تبدو أكبر من الفجوة التي عادة ما تفصل الآباء عن الأبناء، كما أن أحدهما لا يشبه الآخر في شكله، وأناة الشاب وإخلاصه يتجاوزان - وفي أيامنا هذه يناقضان أيضا - ما يمكن أن يكنه الولد لأبيه في المعتاد، لكنهما يتجاوزان أيضا ما يمكن أن يكنه له خادم أجير.
أجابها الشاب أن لا، وعلى الرغم من أن تعبيرات وجهه ما زالت هادئة، فإن حمرة شديدة تسللت إلى وجهه تحت فروة رأسه الحمراء الرقيقة.
ظنت جيل أنهما عاشقان، وفجأة تأكد لها إحساسها. أحست بقشعريرة تعاطف ورضا غريب.
عاشقان.
نزلت الدرج لتلقي نظرة على صندوق بريدها بعد أن حل الظلام، وعثرت على خطاب آخر.
ربما ظننت أنك خارج البلدة في واحدة من جولاتك لشراء الملابس العصرية، لكن مدير البناية قال لي إنك لم تبرحي المكان منذ أن استأجرت الشقة؛ ولذا فظني أن «غيابك» مستمر. قال لي مدير البناية أيضا إنك سمراء. أفترض أننا يمكن أن نتبادل الأوصاف، ثم الصور - على استحياء - بنفس الطريقة الجافة التي يلتقي بها الناس بعضهم بعضا عبر إعلانات الصحف. يبدو لي أنه خلال محاولتي التعرف عليك، أجد نفسي على استعداد لأن أجعل من نفسي أحمق، وهذا ليس بالأمر الجديد بالطبع ...
لم تغادر جيل الشقة ليومين كاملين. نفد الحليب عندها، فشربت قهوتها سادة. ماذا ستفعل عندما تنفد قهوتها؟ تتناول وجبات غريبة؛ التونة المبسوطة على البسكويت الهش عندما ينفد الخبز، والطرف الجاف للجبن، وثمرتي مانجو. تخرج إلى ردهة الطابق العلوي ببناية ميرامار - كانت توارب الباب في البداية لترى إن كان هناك أحد بالجوار - وتمشي حتى النافذة المقوسة المطلة على الشارع. يعاودها إحساس من الماضي السحيق. تحس برغبة في مراقبة الشارع، الجزء البادي منه؛ حيث من المتوقع أن تظهر سيارة ما، أو ربما لا تظهر. بل إنها تتذكر الآن السيارات نفسها؛ سيارة أوستن زرقاء صغيرة، وشيفروليه حمراء داكنة، وسيارة عائلية كبيرة لأغراض السفر؛ سيارات قطعت بها مسافات قصيرة على نحو غير قانوني، وبجرأة أغشت منطقها وسداد رأيها، قبل أن تلتقي ويل بفترة طويلة.
لم تكن تعرف طبيعة الملابس التي سيرتديها ويل، أو كيف سيصفف شعره، أو ما إذا كان هناك تغيير سيطرأ على مشيته أو تعبيرات وجهه؛ تغيير يتناسب مع حياته هنا. يستحيل أن يكون قد تغير أكثر مما تغيرت هي. ليست لديها مرآة في الشقة فيما خلا المرآة الصغيرة المعلقة على خزانة الحمام، لكن حتى هذه المرآة الصغيرة استطاعت أن تظهر لها كم أمست أكثر نحولا، وكيف باتت بشرتها الشاحبة قاسية. بدلا من أن تذوي بشرتها الشاحبة وتصيبها التجاعيد كعادة البشرة الشاحبة في هذا المناخ، اكتسبت بشرتها شكلا أشبه بنسيج باهت. يمكن أن تصلح ما أصابها من وهن؛ هكذا يتراءى لها. في وجود الأنواع المناسبة من مساحيق التبرج، بالإمكان إخفاء نظرة التجهم التي تغلب على محياها. المشكلة الأكبر تكمن في شعرها؛ فاللون الأحمر يتجلى عند الجذور مع بعض الخصل الرمادية اللامعة، وهي في أغلب الأحيان تبقيه مستورا بوشاح.
عندما طرق مدير البناية باب شقتها مرة أخرى، اكتنفتها حالة من الترقب الجنوني لثانية أو ثانيتين. بدأ ينادي اسمها: «سيدة ماسي، سيدة ماسي، أوه! كنت آمل أن تكوني بالغرفة. أتساءل إن كان بإمكانك النزول ومساعدتي. إنه العجوز بالطابق السفلي؛ سقط عن فراشه.»
ناپیژندل شوی مخ