لعشرة أيام كاملة لم تتلق أي خطاب، ولا كلمة واحدة. لم تستطع أن تفكر في خطوتها التالية. كانت تسير كل يوم؛ هذا هو ما تفعله على الأغلب. تبعد بناية «ميرامار» السكنية مسافة نحو ميل واحد عن الشارع الذي يسكن فيه ويل. لم تطأ قدماها هذا الشارع مجددا، ولم تدخل إلى المحل الذي قالت لصاحبه إنها من تكساس. لم تستطع أن تتخيل من أين واتتها الجرأة التي أحست بها في أول يوم لها هنا. سارت جيل في الشوارع القريبة؛ تمتد هذه الشوارع كلها إلى جوار سلاسل جبلية، وبين هذه السلاسل الجبلية التي تلتصق بها البيوت، ثمة أودية ذات جوانب شديدة الانحدار تملؤها الطيور والأشجار. وحتى عندما تزداد حرارة الشمس، لا تهدأ تلك الطيور أبدا. تواصل طيور العقعق حوارها الصاخب، وأحيانا تظهر لتطير على ارتفاعات خطرة على مقربة من قبعتها ذات الألوان الفاتحة. تصيح الطيور التي يشاكل اسمها اسم جيل بعبث وهي ترتقي في السماء، وتحوم في شكل دوامة، ثم تهبط على أوراق الأشجار. تواصل مسيرتها إلى أن يصيبها الدوار وتتصبب عرقا، وتخشى أن ينتهي بها الحال إلى الإصابة بضربة شمس. ترتعش في حر الشمس. أكثر ما تخشاه وترغب فيه أكثر من أي شيء هو أن ترى قوام ويل المألوف جدا؛ ذاك القوام النحيل نوعا ما، الواثق الخطى، أكثر من أي شيء يمكن أن يؤلمها أو يرضيها في العالم بأسره.
عزيزي السيد ثورنابي
أكتب إليك رسالة مقتضبة فحسب لأعتذر لك إن كنت قد أسأت الأدب وتسرعت في ردي عليك. أظن أنني تصرفت على هذا النحو بالفعل. هذا بسبب ضغوط تعرضت لها مؤخرا، واستأذنت للتغيب عن العمل والتعافي. في ظل هذه الظروف، لا يتصرف الإنسان كما يأمل، ولا يرى الأشياء بعقلانية ...
في يوم من الأيام، كانت تسير مارة بالفندق والمتنزه؛ الشرفات صاخبة بأصوات الشراب والعربدة مساء، وكل أشجار المتنزه في أوج ازدهارها. كانت قد رأت لون الأزهار من قبل، بيد أنها لم تتخيل أن تراه على الأشجار من قبل؛ درجة من الأزرق الفضي أو القرمزي الفضي، لون رقيق وجميل جدا، لدرجة تجعلك تظن أنه سيذهل العالم من حوله فيلزمه الصمت والتأمل، لكن من الواضح أن ذلك لم يحدث.
عندما عادت إلى بناية ميرامار، وجدت الشاب ذا الشعر الأحمر واقفا في قاعة الطابق السفلي خارج باب الشقة التي يعيش فيها برفقة العجوز، ومن وراء باب الشقة المغلق يصدر صوت تعنيف مطول.
يبادرها الشاب بابتسامة هذه المرة. تتوقف جيل ويقفان معا ينصتان لصوت الغضب.
تقول جيل: «إذا كنت تبحث عن مكان للجلوس أثناء انتظارك، فمرحبا بك بالطابق العلوي.» هز رأسه نافيا دون أن تزول ابتسامته عن وجهه وكأنها مزحة بينهما. تعتقد أنها يجب أن تقول شيئا قبل أن تتركه هناك، فسألته عن الأشجار الموجودة في المتنزه: «تلك الأشجار المجاورة للفندق حيث رأيتك ذاك اليوم؟ إنها مزهرة كلها الآن. ما اسمها؟»
قال كلمة لم تستطع أن تفهمها، فطلبت منه أن يعيدها على مسامعها. قال: «جاك راندا. هذا هو فندق جاك راندا.»
عزيزتي الآنسة ثورنابي
كنت مسافرا، وعندما رجعت وجدت خطابيك بانتظاري، وفتحتهما بالترتيب الخطأ، ولو أن ذلك ليس بالأمر المهم على أية حال.
ناپیژندل شوی مخ