ومثال ذلك قولك: «نجوم الهدى»، تعني أصحاب الرسول ﷺ ورضي عنهم، فإنه استعارة توجب شبها عقليّا، لأن المعنى أنّ الخلق بعد رسول الله ﷺ اهتدوا بهم في الدين كما يهتدي السارون بالنجوم، وهذا الشبه باق لهم إلى يوم القيامة، فبالرجوع إلى علومهم وآثارهم وفعالهم وهديهم تنال النجاة من
الضلالة، ومن لم يطلب الهدى من جهتهم فقد حرم الهدى ووقع في الضلال، كما أنّ من لم ينظر إلى النجوم في ظلام اللّيل ولم يتلقّ عنها دلالتها على المسالك التي تفضي إلى العمارة ومعادن السلامة وخالفها، وقع في غير الطريق، وصار بتركه الاهتداء بها إلى الضلال البعيد، والهلك المبيد.
فالقياس على النجوم في هذا، ليس على حدّ تشبيه المصابيح بالنجوم، أو النيران في الأماكن المتفرقة، لأن الشّبه هناك من حيث الحس والمشاهدة، لأن القصد إلى نفس الضوء واللّمعان، والشّبه هاهنا من حيث العقل، لأن القصد إلى مقتضى ضوء النجوم وحكمه وعائدته، ثم ما فيها من الدلالة على المنهاج، والأمن من الزيغ عنه والاعوجاج، والوصول بهذه الجملة منها إلى دار القرار ومحل الكرامة نسأل الله تعالى أن يرزقنا ذلك، ويديم توفيقنا للزوم ذلك الاهتداء، والتصرف في هذا الضياء، إنه ﷿ وليّ ذلك والقادر عليه.
ومما لا يكون الشبه فيه إلا عقليا، قولنا في أصحاب رسول الله ﷺ «ملح الأنام»، وهو مأخوذ من قوله ﵇: «مثل أصحابي كمثل الملح في الطّعام، لا يصلح الطّعام إلا بالملح»، قالوا: فكان الحسن رحمة الله عليه يقول: «فقد ذهب ملحنا، فكيف نصنع؟».
فأنت تعلم أن لا وجه هاهنا للتشبيه إلا من طريق الصّورة العقلية، وهو أن الناس يصلحون بهم كما يصلح الطعام بالملح، والشّبه بين صلاح العامّة بالخاصّة وبين صلاح الطعام بالملح، لا يتصوّر أن يكون محسوسا. وينطوي هذا التشبيه على وجوب موالاة الصحابة ﵃، وأن تمزج محبّتهم بالقلوب والأرواح، كما يمزج الملح بالطعام، فباتّحاده به ومداخلته لأجزائه يطيب طعمه، وتذهب عنه ووخامته، ويصير نافعا مغذيا، كذلك بمحبّة الصحابة ﵃ تصلح الاعتقادات، وتنتفى عنها الأوصاف المذمومة، وتطيب وتغذو القلوب، وتنمّى حياتها، وتحفظ صحتها وسلامتها، وتقيها الزّيغ والضلال والشك والشبهة والحيرة، وما حكمه في حال القلب من حيث العقل، حكم الفساد الذي يعرض لمزاج البدن
1 / 57