تسمع للماء كصوت المسحل ... بين وريديها وبين الجحفل (١)
وقال آخر: [من الرجز] والحشو من حفّانها كالحنظل (٢) فأجرى «الحفّان» على صغار الإبل، وهو موضوع لصغار النعام، وقال الآخر:
[من المتقارب]
فبتنا جلوسا لدى مهرنا ... ننزّع من شفتيه الصّفارا (٣)
فاستعمل «الشفة» في الفرس، وهي موضوعة للإنسان. فهذا ونحوه لا يفيدك شيئا، لو لزمت الأصليّ لم يحصل لك، فلا فرق من جهة المعنى بين قوله «من شفتيه» وقوله «من جحفلتيه» لو قاله، إنما يعطيك كلا الاسمين العضو المعلوم فحسب، بل الاستعارة هاهنا بأن تنقصك جزءا من الفائدة أشبه، وذلك أنّ الاسم في هذا النحو، إذا نفيت عن نفسك دخول الاشتراك عليه بالاستعارة، دلّ ذكره على العضو وما هو منه، فإذا قلت «الشفة» دلّ على الإنسان، أعني يدلّ على أنك قصدت هذا العضو من الإنسان دون غيره، فإذا توهمت جري الاستعارة في الاسم، زالت عنها هذه الدلالة بانقلاب اختصاصها إلى الاشتراك. فإذا قلت «الشفة» في موضع قد جرى فيه ذكر الإنسان والفرس، دخل على السامع بعض الشبهة، لتجويزه أن تكون استعرت الاسم للفرس، ولو فرضنا أن تعدم هذه الاستعارة من أصلها وتحظر، لما كان لهذه الشبهة طريق على المخاطب، فاعرفه.
وأمّا «المفيد» فقد بان لك باستعارته فائدة ومعنى من المعاني وغرض من الأغراض، لولا مكان تلك الاستعارة لم يحصل لك. وجملة تلك الفائدة وذلك الغرض «التشبيه»، إلا أنّ طرقه تختلف حتى تفوت النهاية، ومذاهبه تتشعب حتى لا غاية، ولا يمكن الانفصال (٤) منه إلا بفصول جمّة، وقسمة بعد قسمة. وأنا أرى أن
_________
(١) لأبي النجم العجلي في ديوانه، وفي الطرائف الأدبية للراجكوتي- ﵀ في لاميته المشهورة. والمسحل: حمار الوحش، سمّي باسم سحيله وهو صوت نهاقه.
(٢) الرجز من لامية أبي النجم في صفة الإبل أيضا، وحشو الإبل وحاشيتها صغارها.
(٣) البيت من شعر أبي دؤاد الإيادي يصف فرسا في ديوانه، وفي الأصمعيات رقم: ٦٦، وفي المعاني الكبير لابن قتيبة. والصّفار: بفتح الصاد، وهو يبيس البهمى، وهو من أحرار البقول ترعاه الإبل، ويخرج لها إذا يبست شوك، إذا وقع في أنوف الإبل والخيل والغنم أنفت منه حتى ينزعه الناس من أفواهها وأنوفها.
(٤) وفي نسخة: الانتصاف، بدل الانفصال.
1 / 32