اسل نظام اسره
أصل نظام الأسرة والدولة والملكية الفردية
ژانرونه
ولنترك الآن أمريكا، الأرض الكلاسيكية للعائلة المكونة من فردين؛ فليست هناك معلومات تؤكد أن شكلا أعلى للعائلة قد ظهر في أمريكا. ولننتقل الآن إلى العالم القديم.
ففي العالم القديم اتسع نطاق استئناس الحيوانات، وازداد عدد القطعان بطريقة جعلتها مصدرا غير متوقع للثروة؛ مما سبب نمو علاقات اجتماعية جديدة. فإلى المرحلة الدنيا من البربرية كانت الثروة تتكون كلية من المنزل والملابس ووسائل الإنتاج والآلات البدائية كالقوارب والأسلحة والأوعية المنزلية البدائية. وكان الغذاء يتم جمعه جديدا يوما بيوم. أما عندما وجدت قطعان الماشية والخيل وغيرها فقد أصبح في استطاعة الشعوب المتقدمة المسيطرة مثل الآريين في الأرض الهندية ذات الأنهار الخمسة وأرض القرغيز، ومثل الأوكس والجكارتس، والجنس السامي عند نهر الفرات ودجلة، أصبح في استطاعة هذه الشعوب أن تملك قطعانا تتطلب رقابة وعناية حتى يزداد عددها وتستخرج منها الألبان واللحوم الوفيرة. واختفت كل الوسائل السابقة لإنتاج الطعام، وحتى الصيد الذي كان فيما مضى ضرورة للحياة أصبح عندئذ هواية.
ولكن من الذي كان يملك هذه الثروة الوفيرة؟ كانت في الأصل ملكا للقبيلة بلا شك، ولكن يرجح أن الملكية الفردية نمت في مرحلة مبكرة جدا. وفي الكتاب الأول لموسى نقرأ أن الأب إبراهيم قد ظهر لموسى كمالك لقطيع من الحيوانات يتصرف فيه باعتباره زعيما لعشيرة وليس باعتبار القطيع ملكا خاصا له. ومنذ بدء التاريخ المكتوب نجد أن القطعان الحيوانية تعتبر ملكا خاصا لزعيم العائلة، مثلها في ذلك مثل المنتجات الفنية في عصر البربرية كالأدوات الحديدية وأدوات الصيد وأخيرا القطيع الآدمي من العبيد؛ فقد كان نظام العبيد قد اخترع حينئذ.
وفي المرحلة الدنيا من البربرية كان العبد عديم الفائدة؛ ولهذا السبب كان الهنود الأمريكيون يعاملون الأسرى معاملة تختلف تماما عن معاملة الأسرى في المرحلة العليا من البربرية؛ إذ كانوا إما أن يقتلوا الأسرى من الرجال وإما أن يتبنوهم كإخوة للقبيلة المنتصرة. وكانت الأسيرات من النساء إما أن يتزوجوهن وإما أن يتبنوهن مع أولادهن. ولم يكن هناك في هذه المرحلة الدنيا من البربرية عدد كبير من العمال فائض عن الحاجة كما حدث بعد ذلك. ولكن بانتشار تربية القطعان الحيوانية، واستخدام المعادن، ثم ظهور الزراعة، تغير هذا الوضع كلية؛ فقد أصبحت الزوجة التي كان الحصول عليها سهلا فيما مضى، أصبحت تشترى ويدفع فيها قيمة مقابلة، وحدث نفس الشيء مع القوة العاملة وخاصة بعد أن خرجت القطعان من ملكية القبيلة ودخلت في ملكية الأسرة (كما سيأتي بعد ذلك). إذ لم يزد عدد أفراد الأسرة بنفس السرعة التي زاد بها عدد الحيوانات المستأنسة؛ فأصبحت هناك حاجة لمزيد من الأفراد للعناية بأمر القطعان، وأصبح ممكنا أن يؤدي أسرى الحرب هذا الغرض، بل أصبح في الإمكان تربية أسرى الحرب كالقطيع نفسه.
وقد كانت هذه الثروات الجديدة المملوكة للعائلة سببا في تحطيم المجتمع المؤسس على عائلات مكونة من فردين وقبائل منتسبة للأم. فطبقا لتقسيم العمل الذي كان مطبقا في العائلة كان إنتاج الطعام من واجب الرجل؛ ولذا كانت وسائل إنتاج الطعام مملوكة للرجل وكان يأخذها معه في حالة الافتراق عن زوجته، كما كانت الزوجة تأخذ أمتعة المنزل؛ ولهذا كان الرجل يملك القطيع باعتباره المصدر الجديد للغذاء، ثم أصبح الرجل أيضا يملك العبيد باعتبارهم الوسيلة الجديدة للعمل. وطبقا لعادات المجتمع لم يكن أولاد الرجل يستطيعون وراثته لأن الوضع كان كما يأتي: حيث إن الانتساب كان للأم فقد كان الأقارب من جهة الأم هم الذين يرثون من يموت من القبيلة حتى تبقى الملكية داخل القبيلة، وحيث إن أولاد الرجل لا ينتمون إلى قبيلته وإنما إلى قبيلة أمهم فقد كانوا لا يرثون أباهم.
ولذلك فعندما ازدادت الثروة الحيوانية الجديدة المملوكة للرجل فقد أعطت الرجل وضعا أكثر أهمية في العائلة من المرأة. ومن ناحية أخرى أصبح الرجل يميل إلى توجيه النظام التقليدي للوراثة لمصلحة أولاده، ولكن ذلك كان مستحيلا طالما ظل الانتساب للأم مطبقا فكان على ذلك النظام أن يتغير حتى يستطيع الأب توريث أولاده، وقد تغير هذا النظام فعلا، ولم يكن من الصعوبة تغييره كما نتصور الآن لأن الرجل كان هو الأقوى في العائلة؛ وبذلك أصبح الانتساب للأب هو السائد. ومما سهل هذا التغيير أن هذه الثورة على الانتساب للأم، والتي تعتبر من إحدى التجارب الشديدة التأثير في تاريخ الإنسان، لم تكن تزعج أي عضو على قيد الحياة من القبيلة؛ فكل أعضاء القبيلة كانوا يستطيعون البقاء على ما هم عليه، وكان القرار الوحيد الكافي لإحداث هذه الثورة هو أن تظل سلالة الرجل مستقبلا في القبيلة. ولا تخبرنا معلوماتنا عن كيف ومتى تم هذا التغيير فقد وقع كلية في أوقات ما قبل التاريخ.
وقد جمع باتشوفن آثارا كثيرة تدل على حدوث هذا التغيير. ويمكن أن نشاهد بسهولة كيف جرى هذا التغيير في عدد من القبائل الهندية التي تم فيها هذا التغيير حديثا وما زال مستمرا؛ بسبب ازدياد الثروة وتغير طرق الحياة «الانتقال من زراعة الغابات إلى زراعة البراري»، وبسبب النفوذ الأدبي للمدنية والمبشرين الدينيين. فبين ثمانية من قبائل ولاية ميسوري بأمريكا نجد أن ستة منها تسير على قاعدة الانتساب للأب واثنين على قاعدة الانتساب للأم. وعند الشاونيش قبائل ميامي والدلاورس أصبحت العادة هي نقل الأولاد إلى قبيلة الأب بإعطائهم أحد أسماء أقارب الأب المقربين لكي يرثوا منه، وقد قامت في وجه هذا التغيير معارضة ولكنها لم تجد ولم تغير مجرى الأمور، «وهذا كله يظهر على أنه أكثر الانتقالات طبيعية - ماركس.» وقد كتب علماء القانون المقارن، ومنهم ماكسيم كوفالفسكي «كتاب الشكل الخارجي لأصل وتطور العائلة والملكية، استوكهولم، سنة 1890»، عن الطرق والوسائل التي تم بها هذا التغيير عند الشعوب المتمدينة في العالم القديم، ولكن هذه الكتابات افتراضات في معظمها.
وكان إنهاء الانتساب للأم هو الهزيمة التاريخية العالمية للجنس النسائي؛ فقد سيطر الرجل على السلطة في المنزل أيضا، وانخفض شأن المرأة وأصبحت عبدة لشهوة الرجل وآلة لتربية الأطفال. ويظهر هذا الوضع المنحط للمرأة بصفة خاصة لدى الإغريق في العصر البطولي والعصر الكلاسيكي، ومع أن المرأة عندهم أخذت تدريجيا تتزين وتتألق في ثيابها إلا أن وضعها لم يتغير.
ويظهر الأثر الأول لانفراد الرجل بالسلطة في الشكل المتوسط للعائلة الذي ظهر الآن، وهو العائلة المنتسبة للأب، فصفتها الرئيسية ليست تعدد الزوجات بل «تنظيم من عدد من الأشخاص الأحرار المرتبطين في أسرة تحت سيادة رب الأسرة، وعند الجنس السامي كان رب الأسرة مسموحا له بتعدد الزوجات، وكان الغرض من هذا التنظيم العائلي كله العناية بتربية القطعان الحيوانية في أرض محدودة.»
وتعتبر العائلة الرومانية المثل الدقيق لهذا الشكل من العائلة الذي يتميز بسيادة رب الأسرة. ولم تكن كلمة «عائلة» عند الرومان تعني في الأصل المعنى الذي نعرفه الآن، أي مزيجا من العواطف والخلافات المنزلية، بل لم تكن هذه الكلمة تشير في الأصل عند الرومان إلى الزوجين وأولادهما لكنها كانت تعني العبيد فقط. فكلمة
ناپیژندل شوی مخ