قالت: أرى من الرأي بعد انقضاء الامتحان النهائي في المدرسة التجهيزية أن تتلقى فن المحاماة أو الطب.
فقال شفيق: أما الأول فلا بد لي في درسه من المسير إلى أوروبا، وأما الثاني فيقتضي لدرسه ست سنوات، وإذا قلت فخمس.
قالت: كيف يمكننا الاصطبار على بعدك سنتين وقد رأيت قلقنا عليك الليلة؟ أما الطب فربما استطعنا بوسيلة ما أن نجعل مدة الدرس فيه أربع سنوات، فقال: ننظر في ذلك غير مرة. وأنا الآن في قلق على والدي. ثم نظر إلى الساعة فإذا هي الثالثة بعد نصف الليل، وفيما هما في ذلك دخل الخادم يقول: في الباب جاويش، وفي يده كتاب لك يا سيدتي، فقالت: هاته. فجاءها به، فتناولته وسألت: من أين هذا؟ قال: من المعية السنية يا سيدتي. فاضطرب قلبها وارتعدت فرائصها حتى لم تقو على فضه، فرمت به إلى المائدة وقد اغرورقت عيناها بالدموع، فقال شفيق: ما الداعي لهذا ونحن لم نطلع على مضمونه؟ أتأذني لي بفضه، فأذنت له ، ففضه فإذا فيه: لا ينشغل بالك على غيابي الليلة؛ لأني دعيت وأنا خارج من البيت إلى المعية السنية، وسأبقى إلى الغد، فاكتبي لي عن مجيء شفيق مع ناقل هذا. فلما قرأ الكتاب زال اضطرابهما وقلقهما، فكتبت إليه تخبره عن عود شفيق، فعاد الجاويش ولبث شفيق ووالدته برهة تائهين في عالم من الهواجس حتى اقترب شفيق من والدته يسألها: ما معنى هذه الدعوة في هذا الليل؟ وما هي علاقة والدي مع المعية؟ فما هو من مستخدمي الحكومة المصرية، ولا من أصحاب الأملاك!
فقالت: لا يخفى عليك يا ولدي أن والدك من مستخدمي قنصلاتو إنكلترا، وأنت تعلم ما تسعى إليه هذه الدولة مع فرنسا بشأن مصر، حتى أصبح مركز الخديوي في خطر، وبما أن والدك من محبي الحكومة المصرية، بعثت إليه المعية للسؤال عن بعض تلك الشئون، وقد فعلت ذلك قبل الآن، ثم قالت: لا خوف عليه - بإذن الله - ولكني خشيت بادئ بدء أن تكون الدعوة من أفندينا رأسا؛ لما أخشاه من عواقب مثل هذه الدعوة.
ثم سار كل إلى فراشه ولم يبق من الليل إلا القليل.
الفصل الثالث عشر
فتح الصندوق
أما شفيق فقضى ما بقي من الليل في هاجس من الافتكار في فدوى ورضاها عنه، وما دار من الحديث بينه وبين والدته بشأنها.
أما والدته فحالما طاب قلبها على ولدها وزوجها عادت إلى الافتكار بأمر الصندوق، وقد ساءها ما حدث تلك الليلة مما أخر فتحه، ولكنها صممت على السعي إلى فتحه حين مجيء زوجها قياما بوعده لها.
وفي الصباح التالي، لم يستيقظا إلا على طرق الباب، وإذا بإبراهيم قد عاد بخير، فسأل شفيقا عن سبب تأخره بالأمس، فقال: إنه كان باحتفال فتح الخليج، ولم يخبره شيئا عن أمر فدوى، فعنفه على ذهابه بدون إعلام، فاعتذر وساعدته والدته على إلقاء التبعة على خادم عزيز؛ لأنه لم يأت لإعلامهما، فاكتفى بذلك، ثم سار شفيق إلى المدرسة كجاري العادة.
ناپیژندل شوی مخ