قال: هو والدي يا سيدي. - هو والدك إذن! فهذا رجل غني، ولم يكن له إلا ولد واحد، وقد ترك له مالا وافرا. - نعم، يا سعادة الباشا، هو والدي، وأنا ابنه الوحيد. - ماذا تتعاطى من الأعمال؟
إني ما أزال في المدرسة، وفي النية متى خرجت منها أن أنشئ جريدة سياسية ليس بقصد الربح، ولكن لأجل المقام وخدمة ذوي المناصب والأعيان مثل سعادتكم.
قال الباشا وقد استبشر: حسنا تفعل؛ لأن أفندينا إسماعيل باشا يحب المشروعات الأدبية، وينشطها كثيرا، ويحب رجال العلم، فإذا جاءه أحد بقصيدة يجيزه عليها بمبالغ طائلة، وقد يمنحه الرتب والنياشين، وكثيرا ما رأيناه ينشط الجرائد بأن يعين منها نسخا عديدة لدوائر الحكومة، فإذا عزمت على إنشاء جريدة فعول.
فقال عزيز: صدقت يا سعادة الباشا، ولكني أظن أن ذلك قد كان دأب سمو الخديوي قبل تشكيل لجنة المراقبة التي تعينت لمراقبة حسابات مالية البلاد برأي الدول، فإن المراقبين قد باشرا مراجعة الحسابات، وأغلا يدي الخديوي عن النفقات غير الضرورية. أفلا تظن ذلك يحول دون نجاح مشروعنا؟
قال الباشا: نعم، إن المراقبين قد أوقفا النفقات غير الضرورية، غير أن إنشاء جريدة وتنشيطها لا يدخل في أعمال المراقبة، وفضلا عن ذلك فإن المراقبة قلما قيدت أعمال الخديوي، حتى إن الوزارة الولسينية التي أدخل الدول فيها وزيرين أجنبيين - فرنسوي وإنكليزي - قلما أثرت في بسط كفه.
قال عزيز: وما قولك في الحكومة الشوروية؟ ألا تظنها تقيد أعمال الخديوي بعد أن كان الحاكم المطلق يمنح ويحسن دون معارض؟ وأما الآن، فإن لمجلس النظار دخلا في كل الإجراءات، جزئية كانت أو كلية.
فقال الباشا: لا يعيقنك ولا يثن عزمك شيء، فإذا عزمت فعول، وما أنت في احتياج إلى الكسب.
قال عزيز: حسنا، ولكن لدي مسألة أخرى مهمة أريد عرضها على سعادتكم، قال: تفضل، قال: قد توفي المرحوم والدي وترك لي مالا طائلا، وليس لدي أحد من ذوي قرباي يتولى إدارة هذه الأموال وأكون على ثقة منه، ونظرا لما هو مشهور عن حسن أمانتكم؛ أتيت أستشيركم في ماذا أفعل.
فاشتم الباشا من كلامه رائحة الربح الكثير، ولا سيما إذا قدر له أن يكون هو الوصي، فقرب كرسيه من عزيز وقال له: يصعب علي أيها الحبيب ألا أساعدك بهذا الأمر؛ لأن الأمناء قليلون، ولا سيما في هذه الأيام، وإذا شئت فإني أبحث لك عمن يقوم لك بذلك، فإذا لم يتأت لنا إيجاد رجل أمين، فإني أتعهد أن أقوم لك بهذه الخدمة؛ لأن والدك - رحمه الله - كان من أصدقائي.
فقاطعه عزيز متلهفا وقال له: إنها منة من سعادتكم إذا كنتم تتعطفون، ولكني أخشى أن يكون في ذلك ثقلة عليكم. أما إذا تم لي الحظ وتوليتم وصايتي، فأكون من السعداء؛ لأني أعلم حينئذ أني سلمت زمامي لمن هو بمنزلة والدي، وأعاهد سعادتكم أني حالما يقسم لي الله الاقتران أرفع عنكم هذا الثقل؛ إذ أكون قد وطنت نفسي.
ناپیژندل شوی مخ