قال بخيت: إن سمو أدبك يا سيدي يجعلك ألا تظن به سوءا؛ فتعال بنا ندخل الملعب وأنا أبحث عنه، فإذا ظفرت بمكانه أتيت بك إليه وأريتك إياه رأي العين. ثم دخلا وسار شفيق إلى خلوته ، وذهب بخيت ليفتش عن عزيز. وبعد يسير، عاد مهرولا وعلى وجهه أمارات الدهشة، فسأله شفيق عن الخبر، فقال: لقيت صاحبك وسيدي الباشا في خلوة يتساران، وسأرجع إليك بما يدور بينهما، فانذهل شفيق ولبث مبهوتا يفكر في أمر صديقه، وعاد بخيت لاستطلاع الخبر.
أما ما كان من أمر عزيز، فإنه غادر شفيقا في خلوته وخرج لمحادثة عجوز دهياء كأنها حية رقطاء بجفن أحمر، وخد أصفر، ووجه أغبش. وكانت هذه العجوز في الخلوة التي أشار إليها بخيت، وهي دلالة تبيع الأقمشة والمصاغ على السيدات في بيوت الأعيان وأرباب المناصب، تتكلم التركية والفرنسوية جيدا، وقد عاشت زمنا طويلا حتى صيرها الدهر عظما على جلد، فلما رأت عزيزا رحبت به؛ طمعا في غنائه، وقالت له: ما وراءك؟
قال: بل أنت ما وراءك؟
قالت: ليس لدي إلا الخير.
فضحك عزيز مظهرا لها الوقار والاعتبار وقال: أدامك الله لنا يا خالتي دليلة؛ إنك - والله - ملجؤنا وهدانا.
قالت: بارك الله فيك يا ولدي.
فقال: أعندك للسر مكان؟
قالت: بئر عميقة. وهل تجهل ذلك؟
قال: كلا، وأنا لدي أمر ذو بال أحتاج في قضائه إلى همتك وغيرتك.
قالت: قل ما بدا لك. إني رهينة أمرك.
ناپیژندل شوی مخ