قال الإسكندري: «كان رسول الله ليس بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس كث اللحية، عظيم الكفين والقدمين ومفاصل العظام. أبيض مشربا بحمرة، أدعج العينين سبط الشعر، سهل الخدين أقنى الأنف أشمه. في مقدم لحيته ومفرق رأسه شعرات بيض. وكان أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا، قليل المزاح واللغو، مطيل الصمت دائم البشر منتقدا لأصحابه متواضعا. يخصف نعله ويرقع ثوبه. وخرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير زهدا فيها.» قال في خطبة:
أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم. وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم. إن المؤمن بين مخافتين: بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه. وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت. فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب. (4) خطبة لأبي بكر
كان أبو بكر أول الخلفاء الراشدين وقد ولي الخلافة من سنة 632 إلى 634م وعندما بويع بالخلافة فاه بالخطبة التالية:
أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم. والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه. لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله؛ فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل. ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء. وإنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني وإن زغت فقوموني. وإنكم تردون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه. فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا. وإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه. فأريدوه بأعمالكم. وإن ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها ... وضرائب أديتموها وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم. اعتبروا عباد الله بمن مات منكم وتفكروا في من كان قبلكم أين كانوا أمس وأين هم اليوم. أين الجبارون؟ أين الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب؟ قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميما. قد تركت عليهم القالات الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات. وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها؟ قد بعدوا وأنسي ذكرهم وصاروا كلا شيء.
ألا وقد أبقى الله عليهم التبعات وقطع عنهم الشهوات. ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم. وبقينا خلفا بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا وإن اغتررنا كنا مثلهم. أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟ صاروا ترابا وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم. أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور. هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟ أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم، فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه وأقاموا للشقوة والسعادة بعد الموت. ألا إن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف به عنه سوءا إلا بطاعته واتباع أمره. واعلموا أنكم عبيد مدينون وأن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته ... (5) خطبة لعمر بن الخطاب
لما ولي عمر الخلافة (من 634 إلى 644م) بعد أبي بكر صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
يا أيها الناس إني داع فأمنوا: اللهم إني غليظ فليني لأهل طاعتك بموافقة الحق ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة والنفاق من غير ظلم مني لهم ولا اعتداء عليهم. اللهم إني شحيح فسخني في نوائب المعروف قصدا من غير سرف ولا تبذير ولا رياء ولا سمعة، واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. اللهم ارزقني خفض الجناح ولين الجانب للمؤمنين. اللهم إني كثير الغفلة والنسيان فألهمني ذكرك على كل حال وذكر الموت في كل حين. اللهم إني ضعيف عند العمل لطاعتك فارزقني النشاط فيها والقوة عليها بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعزتك وتوفيقك. اللهم ثبتني باليقين والبر والتقوى وذكر المقام بين يديك والحياء منك، وارزقني الخشوع في ما يرضيك عني والمحاسبة لنفسي وإصلاح الساعات والحذر من الشبهات. اللهم ارزقني التفكر والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك والفهم له والمعرفة بمعانيه والنظر في عجائبه والعمل بذلك ما بقيت. إنك على كل شيء قدير. (6) خطبة لعلي بن أبي طالب
تولى علي الخلافة بين سنة 657 وسنة 661م بعد عثمان. وقد نسبت إليه عدة خطب ورسائل هي من آيات البلاغة الخالدة. وفيما يلي إحدى خطبه. حمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته وتقديم العمل وترك الأمل. فإنه من فرط في عمله لم ينتفع بشيء من أمله. أين التعب بالليل والنهار المقتحم للجج البحار، ومفاوز القفار، يسير من وراء الجبال وعالج الرمال، يصل الغدو بالرواح والمساء بالصباح في طلب محقرات الأرباح، هجمت عليه منيته، فعظمت بنفسه رزيته؛ فصار ما جمع بورا، وما اكتسب غرورا، ووافى القيامة محسورا؟ أيها اللاهي الغار بنفسه، كأني بك وقد أتاك رسول ربك لا يقرع لك بابا ولا يهاب لك حجابا، ولا يقبل منك بديلا ولا يأخذ منك كفيلا، ولا يرحم لك صغيرا ولا يوقر فيك كبيرا حتى يؤديك إلى قعر مظلمة أرجاؤها موحشة، كفعله بالأمم الخالية والقرون الماضية. أين من سعى واجتهد وجمع وعدد، وبنى وشيد وزخرف ونجد، وبالقليل لم يقنع وبالكثير لم يمتع ؟ أين من قاد الجنود ونشر البنود؟ أضحوا رفاتا تحت الثرى أمواتا. وأنتم بكأسهم شاربون، ولسبيلهم سالكون! عباد الله فاتقوا الله وراقبوه واعملوا لليوم الذي تسير فيه الجبال، وتنشق السماء بالغمام، وتتطاير الكتب عن الأيمان والشمائل.
خطبة أخرى لعلي بن أبي طالب
ناپیژندل شوی مخ