ثم مضى القوم حتى قدموا إلى السموءل فأنشدوه الشعر؛ وعرف لهم حقهم؛ ثم إنه طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ليوصله إلى قيصر. ومضى حتى انتهى إلى قيصر؛ فقبله وأكرمه؛ وكانت له عنده منزلة.
ثم إن قير ضم إليه جيشًا كثيفًا؛ فيه جماعة من أبناء الملوك، فلما فصل قال لقيصر قوم من أصحابه: إن العرب قوم غدر، ولا تأمن أن يظفر بما يريد؛ ثم يغزوك بمن بعثت معه.
فبعث إليه حينئذ بحلة وشى مسمومة منسوجة بالذهب، وقال له إني أرسلت إليك بحلتي كنت ألبسها تكرمة لك؛ فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إلي بخبرك من منزل إلى منزل.
فلما وصلت إليه لبسها، واشتد سروره بها، فأسرع فيه السم وسقط جلده، فقال:
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني مما يلبس أبؤسا
فلو أنها نفس تموت سوية ... ولكنها نفس تساقط أنفسا
ويروى أن امرأ القيس آلى بألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين؛ فجعل يخطب النساء، فإذا سألهن عن هذا قلن: أربعة عشر.
فبينا هو يسير في جوف الليل إذ هو برجل يحمل ابنة له صغيرة كائنها البدر ليلة تمامه، فأعجبته؛ فقال لها: يا جارية! ما ثمانية وأربعة واثنتان؟ فقالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة؛ وأما أربعه فأخلاف الناقة، وأما اثنتان فثديا المرأة.
فخطبها إلى أبيها، فزوجه إياها وشرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، وأن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاثة أفراس، ففعل ذلك.
ثم إنه بعث عبدًا له إلى المرأة، وأهدى إليها نحيا من سمن ونحيا من عسل وحلة من عصب، فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بعشرة فانشقت؛ وفتح النحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا.
ثم قدم على حي المرأة وهم خلوف فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها، فقالت له: أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدًا ويبعد قريبًا، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن أخي يرعى الشمس؛ وأن سماءكم انشقت، وأن وعاءيكم نضبا.
فقدم الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أما قولها: إن أبي ذهب يقرب بعيدًا ويبعد قريبًا، فإن أباها ذهب يحالف قومًا على قومه. وأما قولها: ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء. وأما قولها: إن أخي يرعى الشمس، فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأما قولها: إن سماءكم انشقت؛ فإن البرد الذي بعثت به انشق. وأما قولها: إن وعاءيكم نضبا؛ فإن النحيين الذين بعثت بهما نقصا فاصدقني!.
فقال: يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني من نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك، ونشرت الحلة فانشقت، وفتحت النحيين فأطعمت منها أهل الماء. فقال: أولى لك!. ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام، فنزلا منزلًا، فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز، فأعانه امرؤ القيس، فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى أهل المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها، فقيل لها: قد جاء زوجك، فقالت: والله ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزورًا وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا فأكل ما أطعموه، فقالت: اسقوه لبنًا حازرًا، فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، ففرشوا له فنام.
فلما أصبحت أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك، فقال: سلي عما شئت، فسألته فلم يعجبها جوابه، فقالت: عليكم العبد فشدوا أيديكم به؛ ففعلوا.
قال: ومر قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيه، فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته، فقال لها: قد جاء زوجك! فقالت: والله ما أدري أهو زوجي أم لا، ولكن انحروا له جزورًا فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسنام والملحاء! وأبى أن يأكل. فقالت: اسقوه لبنًا حازرًا؛ فأبى أن يشربه وقال: فأين الصريف والرثئة؟ فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التلعة الحمراء، واضربوا عليها خباء.. ثم أرسلت إليه: هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاثة فأرسل إليها أن سلي عما شئت. فسألته، فأعجبها جوابه فقالت: هذا زوجي لعمركم؛ عليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه ودخل امرؤ القيس بالجارية.
- ٤ -
شعر امرئ القيس
1 / 5