وقطع الحبل منا والشتات
فمن يك راغبا عن وصل إلف
فلست براغب حتى الممات (قال): وتفرق القوم ليلتهم تلك أيضا، وقد وفق الله - تعالى - خمسة نفر للتوبة، وهم: يحيى، وسليمان، وبشر، ومحمد، ويعقوب، وبقي منهم خمسة: هارون، وعبد الله، وسعيد، والأحمدان.
قال: وجعل هؤلاء الخمسة الذين تابوا يدعون إلى الله ويتضرعون في أن يرد قلوب إخوانهم إلى ما هم عليه من التوبة ويدعوهم إليها، فلم يزالوا كذلك إلى أن استجاب الله منهم دعاءهم في إخوانهم، وأقبلوا بقلوبهم إلى الطاعة، فكتب كل واحد منهم بأبيات من الشعر، وأرسلوها إلى إخوانهم التوابين، فلما وصلت هذه الأبيات من هؤلاء الخمسة إلى إخوانهم فرح الذين سبقوهم إلى التوبة، واستبشروا واشتد سرورهم، ثم ابتهلوا إلى الله - عز وجل - في أن يقوي عزمهم فيما عزموا عليه من التوبة، فاستجاب الله لهم ذلك. (قال): ثم إنهم تواعدوا أن يجتمعوا في مشربة لهم، فيكلم بعضهم بعضا ، فاجتمعوا في مشربتهم تلك، وهي مشربة معروفة بالمدينة، يقال لها اليوم مشربة التوبة، وكانت تعرف قبلا بمشربة العطارين بالمدينة، فلما اجتمعوا هناك اعتنقوا، وبكى بعضهم على بعض لطول الفرقة، وما كانوا عليه من التباعد، وحمدوا الله على ما هم عليه من التقوى، وسألوه التوفيق والعصمة والثبات.
ابن التلميذ الطبيب النصراني والأطباء
من النوادر التي رواها الكتبة عن ابن التلميذ الطبيب النصراني: أن الخليفة كان فوض إليه رئاسة الطب ببغداد، فاجتمع إليه سائر الأطباء؛ ليرى ما عند كل واحد منهم من هذه الصناعة، وكان في جملتهم شيخ له هيئة ووقار وعنده سكينة، فأكرمه أمين الدولة، وكان لذلك الشيخ دربة ما بالمعالجة، ولم يكن عنده من علم صناعة الطب إلا التظاهر بها، فلما انتهى الأمر إليه قال له أمين الدولة: ما السبب في كون الشيخ لم يشارك الجماعة فيما يبحثون فيه حتى نعلم ما عنده؟ فقال: يا سيدنا، هل شيء مما تكلموا فيه إلا وأنا أعلمه، وقد سبق إلى فهمي أضعاف ذلك مرات كثيرة! فقال له أمين الدولة: فعلى من كنت قد قرأت هذه الصناعة؟ فقال الشيخ: يا سيدنا، إذا صار الإنسان إلى هذه السن ما يبقى يليق به إلا أن يسأل كم له من التلاميذ، ومن هو المتميز فيهم، وأما المشايخ الذين قرأت عليهم فقد ماتوا من زمان طويل. فقال له أمين الدولة: يا شيخ، هذا شيء قد جرت العادة، ولا يضر ذكره، ومع هذا فما علينا، أخبرني أي شيء قد قرأت من الكتب الطبية؟ وكان قصد أمين الدولة أن يتحقق ما عنده. فقال: سبحان الله العظيم، صرنا إلى حد ما يسأل عنه الصبيان «أي شيء قد قرأته من الكتب؟»، لمثلي ما يقال إلا: «أي شيء صنفته من صناعة الطب، وكم لك فيها من الكتب والمقالات؟»، ولا بد أنني أعرفك بنفسي.
ثم إنه نهض إلى أمين الدولة، ودنا منه وقعد عنده، وقال له فيما بينهما: يا سيدي، اعلم أنني قد شخت وأنا أوسم بهذه الصناعة، وما عندي منها إلا معرفة اصطلاحات مشهورة في المداواة، وعمري كله أتكسب بها، وعندي عائلة، فسألتك بالله يا سيدنا، مش حالي ولا تفضحني بين هؤلاء الجماعة. فقال له أمين الدولة: على شريطة، وهي أنك لا تهجم على مريض بما لا تعلمه، ولا تشير بفصد ولا بدواء مسهل إلا لما قرب من الأمراض. فقال الشيخ: هذا مذهبي مذ كنت ما تعديت السكنجبين والجلاب. ثم إن أمين الدولة قال له معلنا والجماعة تسمع: يا شيخ، اعذرنا فإننا ما كنا نعرفك، والآن فقد عرفناك، استمر فيما أنت فيه، ولا أحد يعارضك.
ثم إنه عاد بعد ذلك فيما هو فيه مع الجماعة، وقال لبعضهم: على من قرأت هذه الصناعة؟ وشرع في امتحانه. فقال له: يا سيدنا، أنا من تلامذة هذا الشيخ الذي قد عرفته، وعليه كنت قد قرأت صناعة الطب. ففطن أمين الدولة بما أراد من التعريض بقوله، فتبسم، وامتحنه بعد ذلك.
الجواد الكريم
حدث حضرة الأب إنستاس الكرملي في مقالته المعنونة: الخيل العراب عند العرب والأعراب (المشرق 7 : 349) قال:
ناپیژندل شوی مخ