في تلك اللحظة المشئومة تغلب القلق على أورفيوس، وتملكه الخوف من أن تكون يوريديكي قد سقطت أثناء تعثرها في الطريق، أو أن أحد مخلوقات العالم السفلي المفزعة قد أمسك بها واحتجزها، فألقى نظرة خاطفة وراءه، فألفى يوريديكي خلفه تسير في أمان، ولكنها بمجرد هذه النظرة، اختفت وسحبت ثانية إلى مملكة بلوتو، وهي تصيح صيحات مفزعة. كما حاول أورفيوس أن يرجع، ولكنه وجد الطريق خلفه مسدودا بصخرة صلبة ضخمة. لم يعد يجد طريقا بعد ذلك إلى العالم السفلي.
صارت الحياة عديمة القيمة لأورفيوس بعد ذلك، فطفق يجول وهو في أشد حالات الاكتئاب من بلد إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى ينتظر أن يموت، وذات مرة حاولت إحدى فرق المايناد التابعة لباخوص أن تغريه على الاشتراك معهن في العربدة المخمورة، فرفض رفضا باتا، فغضبن وقذفن الحجارة على رأسه، ولكن موسيقى قيثارته سحرت الحجارة، فسقطت إلى جانبه مبتعدة عن رأسه، فلم يصبه منها أي أذى. فلما رأت المايناد ذلك، أخذن يصرخن بأعلى أصواتهن المرعبة التي طغت على صوت موسيقاه، فأصابته الحجارة من كل جانب، فسقط جريحا ومات متأثرا بجراحه البالغة، ومرة أخرى ذهب إلى هاديس، حيث انضم إلى يوريديكي. فوضع جوبيتر قيثارته بين النجوم.
الباب العاشر
مغامرات ثلاثة أبطال وصديقين
تجارب برسيوس
كانت داناي فتاة جميلة، أولع بها والدها أكريسيوس ملك أرجوس، ولعا شديدا، وذات يوم استشار وحيا للآلهة، فقيل له: إن حفيده من ابنته سوف يقتله في يوم ما. فلكي يتحاشى أكريسيوس ذلك المصير، حبس ابنته داناي في برج، وحرم على أي إنسان يتصل بها، فيما عدا خدمها المختارين. بيد أن أكريسيوس ما كان ليفلت بهذه الطريقة من المصير الذي قدرته له الآلهة، فأبصر جوبيتر نفسه تلك العذراء وأحبها. وتقول الأسطورة إنه ظهر لها أولا في صورة مطر من الذهب، فلما أكملت مدة حملها، ولدت ابنا اسمه برسيوس.
لما علم أكريسيوس بما حدث، غضب وثار وأربد، وأمر بوضع الأم وطفلها في صندوق خشبي كبير، أحكم إقفال غطائه، وألقى هذا الصندوق بمن فيه في البحر. لم يغص الصندوق، ولكنه ظل طافيا فوق الأمواج يسير في اليم قدما، كما لو أن ربانا غير مرئي يقوده وسط البحر.
وبعد مدة وصل القارب الغريب إلى جزيرة، حيث استقر على شاطئها، فرآه أحد صيادي السمك. ولما فتح غطاءه دهش؛ إذ وجد بداخله الأم وابنها نائمين، وكلاهما في جمال منقطع النظير، فأخذهما إلى بوليدكتيس ملك الجزيرة، الذي رحب بهما وأولاهما كل عناية ورعاية.
رغم هذا، لم تنته متاعبهما بحال ما، فقد وقع بوليدكتيس أسير هو داناي، وألح عليها في أن تتزوجه، ولكنها ظلت ترفض سنة بعد أخرى؛ إذ انحصر كل همها في تربية ابنها ورعايته. وأخيرا عندما اقترب برسيوس من طور الرجولة، اعتزم بوليدكتيس أن يتخلص منه، أملا في أن تغير أمه رأيها إذا ما أزاح ابنها من الطريق، فأمر ذلك الغلام بأن يحضر له رأس الجورجونة ميدوسا.
كانت ميدوسا مخلوقة فظيعة مرعبة، هي إحدى ثلاث شقيقات، خصلات شعرهن من الأفاعي الدائمة الفحيح، ولهن أجنحة، ومخالب من البرنز، وأنياب ضخمة بارزة، ونظرات تحول كل من ينظر إليهن إلى حجر، ولم يكن بوسع برسيوس أن يتغلب على ميدوسا بمفرده. وعلى ذلك سعى إلى معونة مينيرفا وميركوري، فنصحته مينيرفا بأن يذهب إلى الشقيقات الثلاث ذوات الشعر الأشيب، اللواتي لن يخبرنه بمكان إقامة الجورجونة فحسب، بل ويزودنه بثلاثة أشياء بدونها يكون من العبث محاولة الوصول إلى بغيته. كما أخبرته بالكيفية التي يتسنى له بها أن يسيطر على الشقيقات الثلاث، ويرغمهن على إجابة طلبه؛ إذ لن يخبرنه بشيء من تلقاء أنفسهن.
ناپیژندل شوی مخ