وبنيت أفعوانيتي.
اصعد إن أحببت.
طبعا أنا لست مسئولا إن أنت نزلت
وفمك وأنفك ينزفان دما!
في «كافكا على الشاطئ» ل «هاروكي موراكامي»، كان الرجل يكلم القطط ويخاطب الحجارة، وكانت السماء تمطر أسماكا، وكان رجل آخر يجمع الأرواح كي يصنع بها نايا. وفي روايات ماركيز تطير النساء، وحين تضع الفتاة يدها على النافذة فتصبح خضراء ندرك أنها وقعت في الحب. وفي ألف ليلة وليلة تتنقل ما بين البساط السحري وطيور الرخ العملاقة وسياف مجنون يطارد بقية الحكاية. الدهشة إذن هي تمرد على الواقع، ليس بالضرورة أن تنتمي للواقعية السحرية، أو الفانتازيا أو السريالية، أو الخيال العلمي. الدهشة تأتي أيضا من التفاصيل البسيطة، النظرة المغايرة للأشياء التي نراها يوميا دون أن ننتبه، وهذا هو الفن.
يقول «تشارلز سيميك»:
في الستينيات عندما كنت أصنف على أني سريالي، بعد ما يزيد على أربعين عاما من الحركة، السريالية بنفسها بدت سخيفة. كان دائما يبدو لي أن هناك طريقتين للنظر إلى العالم: واحدة بعيون مفتوحة، حيث بالطبع هناك الكثير من الأشياء الممتعة للنظر؛ بينما الطريقة الأخرى بعيون مغلقة، حيث أحيانا تستطيع أن ترى الأشياء بطريقة أفضل. في كتابتي، أبدا لم أوضح للقارئ: «حسنا، الآن أنا سوف أغلق عيني.» بدلا من ذلك أنا أعود للخلف متناوبا بين الطريقتين كما يعجبني. بالطبع أنا أتقبل الواقع. نعم، لكني رأيت الكثير من الواقع في حياتي ليس بسبب ذلك، لكن من دون خيال لا يستطيع المرء أن يصنع شيئا ذا قيمة مما رآه.
هذا يعني أن «الإدهاش» يمكن أن تقتنصه من رجل مار، من ظل ملقى على الأرض، من وجبة طعام اعتيادية تتناولها كل يوم على ذات الطاولة؛ لذا يمكن اعتبار الإدهاش أيضا ثورة على الحياة الاعتيادية، تمردا على الواقع اليومي، تغيير الاعتيادي إلى غريب ننظر تجاهه نظرة أخرى، الفن بإدهاشه إذن يغير نظرتك إلى العالم.
وفي الكلمة التي ألقاها الروائي البيروفي «ماريو فارغاس يوسا» بمناسبة حصوله على جائزة نوبل أشار إلى هذا المعنى، بقوله إن «الأدب هو تمثيل مخادع للحياة، ومع ذلك يساعدنا بشكل أفضل على فهمها، على قيادتنا في المتاهة التي ولدنا فيها، التي نجتازها والتي نموت فيها. إنه يعوضنا عن الخيبات والكبت اللذين تصفعنا بهما الحياة الحقيقية؛ إذ بفضله نستطيع أن نفك - ولو جزئيا - شفرة هذه الهيروغليفية التي يشكلها الوجود بالنسبة إلى غالبية الكائنات البشرية، وبخاصة بالنسبة إلينا نحن المسكونين بالشك أكثر من اليقين.» «دهشة الفن» دافع أساسي للقارئ لكي يكمل قراءة النص، وللكاتب لكي يكتشف عوالم أخرى تعينه على الحياة، لكن لا يكفي أن يكون الإدهاش وحده هو سلاح الكاتب، ف «النكتة» التي يرويها عجوز على مقهى في شارع جانبي من مدينة منسية، مدهشة بشكل ما، فالمفارقة في نهايتها تدفع الجالسين لرفع حواجبهم عاليا ثم الانفجار ضحكا؛ لذا لا يكتفي الكاتب بالحكاية المدهشة التي تنتزع الضحكات أو الشجن أو تثير الحزن؛ فهناك اللغة المستخدمة، والسياق الجمالي للنص، هناك المغايرة التي تسير بموازاة الحياة، هناك معنى الفن وجماليته وعنفوانه وتأثيره.
تطور «الإدهاش» مع تطور الكتابة، بداية من الإدهاش اللغوي بالمجاز والجناس في الشعر العربي القديم؛ وهو منتشر بشدة في الفنون الشعبية: «الموال»، و«فن الواو»، و«السير الشعبية»، مرورا بالمفارقة ونقطة الإضاءة، وصولا إلى الإدهاش بشكله الحالي الذي لا يتطلب من الكاتب أن يقدم ما هو غريب بقدر ما هو متماس مع روح القارئ وشعرية التفاصيل البسيطة، وهو في كل هذا يفسر لنا أحد أسباب رغبتنا الدائمة في العودة إلى نفس الكتب التي قرأناها من قبل لنقرأها مرة أخرى.
ناپیژندل شوی مخ