أما بعد: فإني عزمت على الشخوص إلى القسطنطينية بعون الله، فبعثت محبنا البطريق يوقنا حاكم حلب إليكم لكي تعتمدوا عليه في إرسال خطيبتنا أرمانوسة ليأتي بها إلينا، ونحن ننتظر وصوله عند سواحل دمياط، وقد عهدنا إليه بهذه المهمة لاعتقادنا فيه الإخلاص، فلا تترددوا في تسليمه أرمانوسة، والسلام.
فلما قرأته أرمانوسة خارت قواها، وألقت بنفسها على السرير، وأجهشت بالبكاء وهي تقول: «لا، لا أذهب معه، ولا أخرج من هذه الغرفة قبل أن تخرج روحي من جسدي.»
فجعلت بربارة تخفف عنها وتقول لها: «لا تجزعي يا سيدتي، فلست بذاهبة بإذن الله إلا مع سيدي أركاديوس، ولكن علينا أن نستعين في الأمر بالحيلة، فبماذا نجيبه الآن؟»
فقالت أرمانوسة، وقد أظلمت الدنيا في عينيها: «لا تسأليني أمرا؛ فإني لا أفهم ما تقولين ولا أعلم بماذا أجيب، ولكنني أقول لك إني لا أريد الخروج من هذا المكان أبدا، وافعلي ما يبدو لك.»
فتركها في الغرفة وخرجت، وبعثت إلى حاكم المدينة فهرول مسرعا؛ لأنه كان يود أن يخدم أرمانوسة إرضاء لوالدها، لعلمه بما لها من المنزلة عنده، فلاقته بربارة وانفردت به، وأطلعته على كتاب قسطنطين وقالت: «إن هذا الكتاب باسم المقوقس، ونحن لا نستطيع إجراء شيء إلا بأمره، فابعث أحد رجالك بهذا الكتاب إليه حتى يأتينا بالجواب.»
قال: «سمعا وطاعة.» وهم بالخروج فقالت: «قف قليلا.» فوقف فقالت: «هات الكتاب.» فسلمه إليها، فقالت: «ابعث إلي رجلا تثق به لأسلمه وأوصيه بشيء آخر.»
فخرج وعاد بشاب كان يثق فيه كل الوثوق وقال: «هذا هو الرسول، فأوصيه بما تشائين.» فنادت الشاب وقالت له: «امكث هنا قليلا حتى أعود إليك.» ثم خرجت إلى الحديقة وبعثت إلى الرسول القادم من يوقنا فدخل فقالت له: «لقد سرت سيدتي أرمانوسة من هذه البشارة، فأين هو سيدك يوقنا الآن ؟»
قال: «هو عند الفرما برجاله ينتظر عودتي حتى يأتي ليذهب بالسيدة أرمانوسة حالا، لأن الوقت قصير، وقد أعد لها كل معدات الاحتفال والزينة.» فقالت: «هل جاء في جند كبير؟»
قال: «نعم، إنه جاء في خمسمائة من خاصة رجال سيدي قسطنطين حراسا للسيدة أرمانوسة في مسيرها.»
قالت: «بارك الله فيه، اذهب إليه وأخبره أن السيدة أرمانوسة تهديه السلام، وتشكر حسن صنيعه، وأنها تتأهب للمسير معه حالما يأتيها الجواب من سيدي المقوقس.» ومدت يدها ونقدته مالا وقالت: «وستنال تمام المكافأة فيما بعد، فاذهب بسلام.» فودعها وعاد إلى هجينه فركبه، وسار يطوي البيداء.
ناپیژندل شوی مخ