فنهض مذعورا وقال: «أصحيح ما تقولين يا أرمانوسة. هل تريدين لي هذه الخيانة؟ ألا تخجلين إذا ذكر أركاديوس أن يقال إنه جبان يفر من الحرب؟ لا أظنك ترضين بذلك.»
قالت: «قلت لك إني لا أرضى لك حطة، ولكنني لا أرضى أن تعرض نفسك لحرب لا أمل بالفوز فيها.»
فعجب لقولها هذا وقال لها: «وما أدراك؟! أتحسبين جند هذا الحصن كجند بلبيس والفرما؟! أما الفرما فلم يكن فيها أحد من الروم على ما أعلم، أم أنت تستخفين بي؟!»
قالت: «رأيت فيما يرى النائم أن الحصن أخذ، وخفت أن يصيبك شر، فاستقدمتك إلي على ألا يفرق بيننا إلا الموت، فإذا سرت سرت معك، أو قعدت قعدنا معا. هذا قولي، والسلام.»
فتلطف بالجواب تخفيفا لما ثار في قلبه، وقال: «تعقلي يا حبيبتي، فقد صبرت أشهرا فاصبري أياما، وسترين العاقبة كيف تكون، ولو تركني أبي أفعل ما أريد لخرجت إلى جند العرب المعسكر حول الحصن بشرذمة من رجالي فقط، وبددتهم أيدي سبا، ولكنني أعمل برأيه مكرها. أما إذا نشبت الحرب واحتدم الوطيس فالفوز لنا لا ريب فيه بإذن الله.»
فتبسمت ثم قالت: «وهب أنكم حاربتم العرب في هذا الحصن ثم خرجتم منه إلى غيره فإنك تحاصر في ذاك أيضا، ثم تذهب إلى حصن آخر، وهكذا، وتترك أرمانوسة في زوايا النسيان لا تنام الليل خوفا عليك. أيرضيك هذا؟»
قال: «حاش لي أن أنسى أرمانوسة، أو أغفل عن راحتها، وأعدك وعدا شافيا أن واقعة هذا الحصن ستكون الحد الفاصل، فإذا بقيت بعدها لم أفارقك أبدا.»
قالت: «أتقسم لتفعلن هذا؟» فأقسم بشرفه وبمحبتها أنه إذا انقضى أمر هذا الحصن سواء لهم أم عليهم فلن يعود إلى حرب أو إلى فراق.
وطال بهما الحديث حتى صارت الشمس في الأصيل، فقال أركاديوس: «أراني قد نسيت واجبي، فتركت معقلي وجندي على حين غفلة وجئت، وقد طال بي المقام. هلا أذنت لي بالذهاب، وموعدنا قريب إن شاء الله.»
فأمسكته تريد إقناعه بالبقاء قليلا وهو يعتذر، وإذا ببعض الخدم داخل وعلى وجهه إمارة البغتة.
ناپیژندل شوی مخ