قال: «سمعا وطاعة.»
وأرادت بربارة أن تقدم لضيوفها شيئا من الخمر على عاداتهم، فقال لها وردان: «احذري أن تفعلي ذلك لأن الخمر محرم في ديننا، وليس عليكم إلا التأهب للمسير، وفي صباح الغد نبعث إليكم رجالا يسيرون في حراستكم.»
فشكرته، ثم قام عمرو مودعا وخرج، وخفت أرمانوسة إلى أركاديوس وأخبرته بما كان فقال: «إذن أسير أنا أيضا معكم إلى قرب الحصن، ثم أنفرد وأدخله وحدي، وأنت تذهبين إلى منف.»
وعند الظهيرة جاء زياد ومعه مارية ووالدها، فطار مرقس فرحا، وأوصى أرمانوسة بهم خيرا، وقال لها: «فليذهبوا معكم إلى منف؛ لأنهم يكونون في مأمن هناك»، فوعدته خيرا، ثم ودعهم وخرج يحمل كتاب أركاديوس إلى أبيه. •••
لبث أهل الحصن في انتظار مرقس، ثم سمعوا بسقوط بلبيس، فتكدر المقوقس كثيرا وخاف على ابنته، ولكنه كان مطمئنا لما لديه من العهود، وفي اليوم التالي وصل مرقس بكتاب أركاديوس، فدفعه إلى أبيه فقرأه، واطمأن قلبه على ابنه، ولكنه بقي في حيرة لا يدري لخروجه سببا، ولما خلا مرقس بالمقوقس أطلعه على ما أتاه عمرو من الجميل مع ابنته وأنها ستكون في منف بعد قليل، فبعث بعض رجاله لاستقبالها وتشييعها إلى قصرها.
ولبث الأعيرج يوما آخر في انتظار أركاديوس حتى جاء ودخل عليه فقبله ورحب به وسأله عن سبب غيابه فقال: «أنت تعلم يا سيدي غيرتي على شرف الروم، وقد رأيت الجواسيس يأتوننا بالأخبار المتناقضة، فلم نفهم حقيقة قوة العرب، فحدثتني نفسي أن أذهب لاستطلاع حالهم، وأنا أعلم أنك لا تأذن لي خوفا علي، فخرجت على حين غفلة من الحراس، على ألا أغيب إلا يوما واحدا واثقا من أني إذا عدت وأخبرتك بما استطلعته تعفو عن عملي.
فلما وصلت إلى جوار بلبيس خشيت أن يكون جوادي ولباسي الفاخر حائلين بيني وبين ما أريد، فرأيت رجلا من جندنا خارج المدينة، فتبادلنا الثياب وتركت جوادي عنده، وسرت إلى معسكر العرب، وكانوا مخيمين أمام المدينة، وما كدت أن أخرج من المعسكر حتى قبضوا علي وسجنوني، وبقيت إلى أن اقتحموا بلبيس، فغافلتهم وقطعت الوثاق، ودخلت المدينة وعلمت ما استطعت علمه، فإذا عددهم لا يزيد على أربعة آلاف مقاتل، ولكنهم، والحق يقال، يهجمون على الأسوار هجوم الأسود، ويزأرون كأنهم ذاهبون إلى مغنم، ولكننا بحول الله سنبدد شملهم أمام هذا الحصن، فإن بلبيس ليست مدينة حرب.»
فقال الأعيرج: «بورك فيك.» وهم به وقبله وقال: «إنها شجاعة فائقة الحد يا ولدي لأنك عرضت نفسك للخطر الشديد.»
فقال: «ولا ينجح إلا المخاطر المجازف.»
فقال: «ولكني رأيت على سيفك أثر الدماء.» فأجاب في غير اكتراث: «لعله كان ملوثا من قبل وهذه هي جلية الخبر، وما علينا إلا الاستعداد والتحصين، فإن العرب لا يلبثون أن يقدموا علينا.»
ناپیژندل شوی مخ