119

ارخص شپې

أرخص ليالي

ژانرونه

وتبادلوا تحية المساء مع الجالسين، تبادلوها في فتور، وكان الواحد منهم ما يكاد يجلس حتى تزحف ذرات التعب الذي لاقاه طول النهار كجيوش النمل آخذة طريقها إلى رأسه، فيتخدر جسده لزحفها، ويسكر، ويحس بالراحة تتصاعد من جوفه فتلطف جفاف حلقه، وكأنها حبات نعناع.

وقال واحد وهو يناجي نفسه أكثر مما يخاطب الآخرين: يا سلام، الدنيا ضلمة يا ولاد، والعتمة حلوة.

وما كان الليل جميلا لما فيه من سكون أو نجوم، وإنما كان جميلا؛ لأن ليس فيه عمل، ولأن فيه راحة وجلوسا، ولأنهم يستطيعون فيه الحديث، ويحسون إذا جلسوا واستراحوا، وتحدثوا أنهم بشر مثل سائر البشر.

ومع أن الليل كان هناك، وكانوا جالسين مرتاحين إلا أنهم ملوا ما راحت أفواههم تلوكه من تافه الأخبار، وسرعان ما مات الكلام على أفواههم وتجمد.

وتبادلوا نظرات متثائبة، في تثاؤبها تساؤل، وفي تساؤلها قلق غامض.

ومرة أخرى راحت أسئلتهم تترى عنه.

وقبل أن يعودوا ويملوا السؤال، جاءهم الصوت الرطب الواضح المخارج، الحلو، المملوء بالرنين، يقول: مساء الخير يا رجالة. •••

وتحركت ألسنتهم، وقد طال سكوتها: مسا الخير يا عوف، ليلتنا ندا يا عبده، أنت فين يا أخي، يا ميت ندامة على اللي حب ولا طلشي.

وبينما الجماعة قد علتها ضجة الترحيب به، لم يتمالك بعض منها نفسه، وهو يرى الابتسامة الحائرة التي تود الظهور على وجه عوف فيمنعها أدبه، لم يتمالك نفسه وهو يقارن وجهه الجاد بالهزل الذي قاله، والذي سوف يقوله، فانطلق يضحك.

ولم ينتظر عوف أن يهدأ الهيجان، وإنما انسل في رقة وأدب، وركع في سرعة على ركبتيه قبلما يقوم له أحد، ومد يده في خجل مؤدب وسلم عليهم واحدا واحدا بحرارة، وهو يقسم ألا يتعبوا أنفسهم ويقوموا، واندفع الذين لم يضحكهم أدبه، فضحكوا على حرارة سلامه وغلظ قسمه.

ناپیژندل شوی مخ