109

ارخص شپې

أرخص ليالي

ژانرونه

في ذلك اليوم وقفت المكنة طول النهار، وفي اليوم التالي رجع الحج من البندر، وفي جعبته أوسطى آخر قضى ساعات كثيرة يلهث ويعرق ويستريح، وحين غابت الشمس ضرب الجنيه الذي أخذه بعد مساومة في جيبه، وانصرف دون أن يتكتك للمكنة صوت.

وطالت السهرة على سطح الهواشمة، وامتد الحديث عن خيبة الأوسطى الجديد.

ولم ييأس الحج، فغاب عن البلدة قليلا، ثم عاد ومعه ثلاثة من الأسطوات. وهلكت امرأته وهي تعد لهم الطعام والشاي كل يوم وهم يتخبطون ويختلفون.

وكلما طال تخبطهم كان الأوسطى محمد يسعد غاية ما تكون السعادة، حتى إنه ما كان ينتهي ضحكه، وحتى أصبح الناس يأنسون إليه فيكلمهم، ويهزر معهم، ويلكزهم أحيانا.

وكان انفراج وجهه بعد طول تكشير وتقطيب بالنسبة إليهم فاكهة في غير أوانها، فذهب ما كانوا يشعرون به من رهبة تجاهه، وأحسوا أنه إنسان مثلهم من دم ولحم، وأنه ليس مريضا أو متكبرا، وإنما طبعه حلو، ودعابته رائقة.

ومع أن الناس وحشهم صوت المكنة، وانقطع عنهم دقها القوي المكتوم، ولم يعد هناك طحين أو بياض أرز، وفرغ الفضاء الذي حولها من الحمير والجمال، وانتهى زعيق الرجال أمامها وزحمة النساء، وراح الناس يقترضون من بعضهم الدقيق، مع كل هذا إلا أنهم كانوا مع الأوسطى محمد، وكانوا على أتم استعداد لقضاء أيام كثيرة دون أرز أو طحين.

وكانوا يسخرون بالحج وبالأسطوات الذين يأتي بهم، ويتنبئون معه بفشلهم وبأنهم سيرجعون كما جاءوا ووجوههم مثل قفاهم.

وأثناء هذا لم يقطع الناس الطيبون محاولاتهم الملحة للصلح، ولكن الحج أبى إلا أن ينفذ كلمته، ولو صار فيها ضرب نار. وحين زهق ركب القطار إلى مصر، وعاد في ذات اليوم، ومعه أوسطى يرتدي عفريتة زرقاء.

وتهامس الناس وهم ينظرون إلى صغر سنه، وذقنه الملساء، وبشرته التي ليس فيها خشونة، ثم تنبئوا له بالفشل الذي لحق بسابقيه.

وكان الأوسطى محمد ساعتها جالسا على جسر الترعة يتحدث إلى الناس، ويتحدث الناس إليه، ويشرق الحديث ويغرب ولا محور له إلا الأوسطى الذي جاء من مصر، والذي يرتدي عفريتة آخر الزمان.

ناپیژندل شوی مخ