فاذا كان «الذى به نحيا ونحس» مقولا على جهتين، كمثل ما يقال بجهتين الشىء الذى به نعلم، فانا نزعم أن الذى به نعلم إما كان علما، وإما نفسا (فنحن نعلم بالأمرين جميعا)؛ وكذلك يقال: «الشىء الذى به تصح أبداننا» إما قيل الصحة وإما عضو من أعضاء النفس، فالعلم والصحة شبح وصورة ومعنى، كقول القائل إن فعل الأشياء قابلة التعليم والتصحيح (وإنما يبدو الفعل من الفاعل فى قابل الفعل الذى يألم به فيصير له حال من الأحوال)؛ والنفس فى هذا الذى نحيا 〈به〉 ونحس ونتفكر ابتداء؛ لذلك وجب أن تكون معنى من المعانى، لا كالهيولى ولا كالشىء الموضوع. — فقد أخبرنا أن الجوهر مقول على ثلاثة أوجه: أحدها الصورة ، والآخر الهيولى، وثالثة المجموع منهما؛ وأن الهيولى قوة من القوى، وأن الصورة انطلاشيا، والذى منهما هو: ذو النفس، وأن الجرم ليس تمام النفس؛ ولذلك لن يقع عليه معنى الانطلاشيا، بل النفس انطلاشيا جرم بصفة كذا وكذا. من أجل ذلك أحسن من رأى أن النفس لا تكون بغير جرم، وأنها ليس بجرم، إلا أنها شىء من جرم. ولذلك صارت فى جرم بصفة كذا وكذا، لا كالذى قال القدماء، إذ ضموها إلى الجرم، ثم لم يحدوا أى جرم هو ولا كيف حاله مع ما نرى فى الظاهر من الأشياء أن الشىء لا يقبل ما عارضه من الأشياء على البخت أو كيفما هو، لا أن يكون ذلك على معنى موافقة وملائمة: لأن انطلاشيا كل واحد من الأشياء لا يكون إلا لما فيه من قوة لقبول تلك الانطلاشيا، بأن كان فى هيولى ذلك الشىء 〈تهيؤ〉 لقبولها. — فقد استبان من هذه الأقاويل أن الشىء ذا القوة الموصوف بصفة كذا وكذا له انطلاشيا واحدة.
مخ ۳۴