من هذا الكلام قد استبان لنا أنه لا يمكن النفس أن تكون متحركة، وإن كانت لا تتحرك ألبتة فلا شك أنها إن تحركت لم يكن ذلك من تلقائها.— ومن قال إن النفس عدد محرك نفسه فقوله أكثر جهلا ممن قال بالأقاويل التى حكينا؛ وذلك أنه ليس فى قوله إمكان: وأول ذلك ما يعرض من قول القائل إنها متحركة، وإنها عدد. — فليقل صاحب هذا القول: كيف ينبغى لنا أن نفهم واحدا عددا متحركا؟ وأى شىء حركته؟ وكيف ليس له أجزاء ولا فصل؟ وإذا كان الواحد بزعمه محركا 〈ومتحركا معا〉، فمن جهة تحريكه ينبغى أن يكون له فصل. — وإذا كانوا يقولون إن الخط إذا تحرك فعل سطحا، والنقطة تفعل خطا، فحركات الآحاد تصير خطوطا، لأن النقطة إنما هى واحد له نصبه؛ فاما عدد النفس فأين هو، وأى نصبة له؟ — والعدد إذا أخرج أحد منه زوجا أو فردا واحدا، فسيبقى عدد ما غير ما أخرج من المخرج. وإن الشجر وكثيرا من سائرالحيوان بعد التجزئة يبقى حيا، وتبقى فيه النفس التى لصورته. — وليس بين قول القائل: آحاد، وبين قوله، أجسام لطاف — فرق، لأن الهباء، وهى الأجزاء المستديرة التى قال بها ذيمقراط متى صارت منها نقط محفوظة كميتها، كان فى تلك الكيفية شىء محرك فاعل، وهى متحرك مفعول به كالذى يكون فى الجسم المتصل. وليس يحدث ذلك من أجل الفرق الذى بينهما فى العظم والصغر، إلا بحالة نفس الكمية. ولذلك وجب بالاضطرار أن يكون شىء محركا للآحاد. وإذا كان المحرك الموجود فى الحيوان هو النفس، فهى إذا محرك العدد. ولسنا نقول: إن بالجسم شيئين: محرك فاعل ومحرك مفعول به، بل إنما هى محركة فاعلة فقط. وكيف يمكن النفس أن تكون أحدا فردا واحدا؟ والواجب أن يكون بينها وبين سائر الآحاد فصل. فأما النقطة الوحدانية فأى فصل لها، ما خلا النصبة؟ — وإن كانت آحاد أخر فى الجسم، فستجتمع الآحاد والنقط فى مكان. وليس من مانع يمنع أن يجتمع منهن اثنان أو ما لا عدد له؛ فما لا قسمة لمكان فهو أيضا لا تجزئة له. وإن كانت النقط التى فى الجرم هى عدد النفس، والنفس عدد نقط الجرم — إن كان هذا هكذا، فلم 〈لا〉 تكون نفس لجميع الأجرام؟ فجميعها ذوات نقط لا غاية لها. وأيضا كيف يمكن النقط أن تباين الأجساد وأن تتبرأ منها، إلا أن تتجزأ الخطوط والنقط؟
[chapter 5: I 5] 〈استمرار البحث فى نظرية النفس عدد محرك لذاته — نظرية النفس الحالة فى كل شىء. — وحدة النفس〉
مخ ۲۲