فهذا ما يلزم من الأمور الشنعة وغيره مما أشبهه إن كان كل إيجاب وسلب — إما مما يقال كليا على معنى كلى، وإما مما يقال جزئيا — فواجب ضرورة أن يكون فيه أحد المتقابلين صادقا والآخر كاذبا، ولم يكن فيما يحدث ما يكون حدوثه على أى الأمرين اتفق، بل الأشياء جميعا وجودها وكونها واجب ضرورة. وعلى هذا القياس فليست بنا حاجة إلى أن نروى فى شىء ولا أن نستعد له أو نأخذ أهبة، كأنا إن فعلنا ما يجب كان ما يجب؛ وإن لم نفعل ما يجب لم يكن ما يجب. فإنه ليس مانع يمنع من أن يقول قائل فى شىء من الأشياء إنه يكون إلى عشرة ألف سنة مثلا، ويقول آخر إنه لا يكون، فيصح لا محالة أحد الأمرين اللذين كان القول حينئذ بأنه يكون صادقا. وأيضا فلا فرق فى هذا المعنى بين أن يقال المناقضة وبين ألا يقال، وذلك أنه من البين أن الأمور تجرى مجاريها وإن لم يوجب موجب شيئا منها ولم يسلبه آخر. وذلك أن الشىء ليس إنما يكون أو لا يكون، من قبل أنه قد أوجب أو قد سلب، ولا حكمه بعد عشرة ألف سنة غير حكمه بعد زمان آخركم كان مقداره. فإن كانت حاله فى الزمان كله حالا يصدق فيه معها أحد القولين دون الآخر فواجب ضرورة أن يكون ذلك الصدق حتى يكون كل واحد من الأشياء التى تكون حاله أبدا حال ما يكون ضرورة. وذلك أن ما كان القول فيه بأنه سيكون صادقا فى وقت من الأوقات فليس يمكن ألا يكون؛ وما يكون فقد كان القول فيه بأنه سيكون صادقا أبدا.
مخ ۷۳