فأما المعانى الجزئية المستقبلة فليس يجرى الأمر فيها على هذا المثال. وذلك أنه إن كان كل إيجاب أو سلب إما صادقا وإما كاذبا، فواجب فى كل شىء أن يكون موجودا أو غير موجود. فإن قال قائل فى شىء من الأشياء إنه سيكون، وقال آخر فيه بعينه: لا، فمن البين أنه يجب ضرورة أن يصدق أحدهما إن كان كل إيجاب فصادق أو كاذب؛ وذلك أنه لا يمكن أن يكون الأمران جميعا فى ذلك وما أشبهه: فإن قولنا فى شىء إنه أبيض أو غير أبيض إن 〈كان〉 صادقا فواجب ضرورة أن يكون هو أبيض أو غير أبيض. وإن كان الشىء إما أبيض وإما غير أبيض فقد كان إيجابنا أو سلبنا فيه صدقا؛ وإن لم يكن فكذبا. وإن كان كذبا فليس هو؛ فواجب إذا ضرورة أن يكون الإيجاب أو السلب إما صادقا وإما كاذبا.
فليس شىء من الأشياء إذا مما يتكون أو مما هو موجود يكون بالاتفاق أو بأحد الأمرين اللذين لا يخلو شئ منهما أيهما كان؛ ولا شىء من الأشياء مزمع بأن يكون أو لا يكون على هذه الجهة، بل الأمور كلها ضرورية. وليس يكون شىء منها على أى الأمرين اتفق، وذلك أن الموجب يصدق فيها أو السالب. ولو لم تكن كذلك لكان كونها وغير كونها على مثال واحد. وذلك أن الشىء الذى يقال فيه إنه يكون على أى الأمرين اتفق، فليس هو بأحد الأمرين أولى منه بالآخر، ولا يصير كذلك.
مخ ۷۱