Architectural Spirituality of Mosques and Their Virtues
عمارة المساجد المعنوية وفضلها
خپرندوی
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٩هـ
د خپرونکي ځای
المملكة العربية السعودية
ژانرونه
[مقدمة]
عمارة المساجد المعنوية وفضلها
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا بحث في موضوع " عمارة المساجد المعنوية وفضلها " وهو عنوان لمحاضرة تم تكليفي بها من قبل معالي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للإسهام بها في " ندوة عمارة المساجد " التي ستقيمها كلية التخطيط والعمارة بجامعة الملك سعود بالرياض بمشاركة وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
1 / 3
وقد تم في هذا البحث إبراز أثر المساجد في تربية أفراد المجتمع الإسلامي على مكارم الأخلاق وسلامة السلوك، وإصلاح ما يطرأ على حياة بعض المسلمين من الانحراف والجنوح نحو الفساد، إضافة إلى أثر المساجد في تقوية الروابط الأخوية بين المسلمين.
والله أسأل أن يعلِّمنا ما جهلنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل علمنا خالصا لوجهه الكريم.
1 / 4
[المساجد معالم الإسلام]
المساجد معالم الإسلام تعتبر المساجد من أبرز معالم الإسلام ومكونات المجتمع الإسلامي، ومن أبرز المؤسسات التي تحفظ للأمة الإسلامية تاريخها الماضي وتربطه بواقعها الحاضر.
ولقد اعتبر النبي ﷺ المساجد أمارات تدل على إسلام أهل البلد، ومما يدل على ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك ﵁ قال: «كان رسول الله ﷺ يُغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار» (١) .
وهذا دليل على ما للمساجد من أثر بالغ في الإسلام، حيث يعتبر وجودها وعمارتها بالأذان والصلاة صورة حية للمجتمع الإسلامي، كما يعني فقدها أو فقد عمارتها بعبادة الله تعالى ابتعاد المجتمع عن الإسلام وتلاشي مظاهره من واقع المجتمع.
وفي هذا المعنى يرشد النبي ﷺ أصحابه إلى وجوب الإمساك عن القتال إذا رأوا مسجدا أو سمعوا مؤذنا، كما أخرج أبو عيسى الترمذي وأبو داود رحمهما الله من
_________
(١) صحيح مسلم، رقم ٣٨٢، الصلاة (ص ٢٨٨)، صحيح البخاري، رقم ٦١٠، الأذان (٢ / ٩٨) .
1 / 5
حديث ابن عصام المزني عن أبيه ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم: «إذا رأيتم مسجدا أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا» وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب (١) .
[عمارة المساجد المعنوية]
عمارة المساجد المعنوية عمارة المساجد المعنوية تشمل أمورا من الأعمال الصالحة أبرزها الصلاة وتلاوة القرآن والذكر وتعلم العلم وتعليمه.
وإنني في هذا البحث سأعرض لهذه الموضوعات باختصار إلا إذا رأيت أن الموضوع يحتاج إلى شيء من البسط.
[صلاة الجماعة]
صلاة الجماعة إن أهم الأعمال الصالحة التي تؤدَّى في المساجد صلاة الجماعة، وقد رُويت عن رسول الله ﷺ أحاديث عديدة تأمر بصلاة الجماعة وتبين فضلها، ولن أستوعب ذكر هذه الأحاديث لأنها مبيَّنة في مواضعها من كتب السنة والفقه، وإنما سأقتصر على ذكر بعض الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع.
فمن الأحاديث التي تبين وجوب صلاة الجماعة ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حُزَم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (٢) .
فهذا التهديد بالتحريق يدل على أن من ترك صلاة الجماعة فهو آثم، وهذا يدل على الوجوب لأن المستحب لا يعاقب تاركه.
وكذلك ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ قال: «أتى النبيَّ ﷺ رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله ﷺ أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: " هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال:
_________
(١) سنن الترمذي رقم ١٥٨٩، كتاب السير (تحفة الأحوذي ٥ / ١٥٥) سنن أبي داود رقم ٢٦٣٥، الجهاد (٣ / ٩٨) .
(٢) صحيح مسلم، رقم ٦٥١ / ٢٥١، المساجد، (ص ٤٥١)، صحيح البخاري، رقم ٦٤٤، الأذان، (٢ / ١٢٥) .
1 / 6
نعم، قال: " فأجب» (١) .
فهذا يفيد بأن من سمع الأذان لا يعذر بترك الصلاة مع الجماعة في المسجد، وهذا دليل على الوجوب لأن المستحب لا يُلزم المسلم بفعله.
ومن الأحاديث التي تبين فضيلة صلاة الجماعة في المسجد ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ «صلاة الرجل في الجماعة تضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رُفعت له بها درجة وحُطَّ عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة» وفي رواية أخرى لهما من حديث عبد الله بن عمر ﵄ «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» (٢) .
_________
(١) صحيح مسلم، رقم٦٥٣، المساجد (ص ٤٥٢) .
(٢) صحيح البخاري، رقم ٦٤٧، و٦٤٥، الأذان (٢ / ١٣١)، صحيح مسلم رقم ٦٤٩، المساجد (ص ٤٤٩) .
1 / 8
وكذلك ما أخرجه من حديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا» (١) .
والتهجير هو التبكير إلى الصلاة، والعتمة هي صلاة العشاء.
أما الصحابة ﵃ فمن الأقوال المأثورة عنهم التي تبين اعتقادهم بوجوب صلاة الجماعة في المساجد ما أخرجه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ قال: «من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم ﷺ سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطُّهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة
_________
(١) صحيح البخاري، رقم ٦١٥، الأذان (٢ / ٩٦)، صحيح مسلم رقم ٤٣٧، الصلاة (ص ٣٢٥) .
1 / 9
ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف» (١) .
ولقد كان تأثر المسلمين بهذه الأحاديث والآثار وأمثالها شديدًا واستقامتهم على حضور الجماعات في المساجد مستمرة على مدى الزمان، ومن أخبار العلماء المؤثرة في ذلك ما ذكره الحافظ الذهبي عن العالم العابد عبيد الله بن عمر القواريري أنه قال: لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة. فنزل بي ضيف فشغلت به فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة، فإذا الناس قد صلوا، فقلت في نفسي: يُروى عن النبي ﷺ أنه قال: «صلاة الجمع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة» ورُوي خمسا وعشرين وروي سبعا وعشرين فانقلبت إلى منزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة، ثم رقدت فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب، ونحن نتجارى وأفراسهم تسبق فرسي فجعلت أضربه لألحقهم، فالتفت إليَّ آخرهم فقال: لا تُجْهِدْ فرسك فلست بلاحقنا قال: فقلت: ولِمَ؟
_________
(١) صحيح مسلم، ٦٥٤ / ٢٥٧، المساجد (ص ٤٥٣) .
1 / 10
قال: لأنا صلينا العَتَمة في جماعة (١) .
فهذا اجتهاد بالغ من هذا الإمام في تدارك صلاة العشاء التي فاتته، فقد دار على مساجد البصرة ليدركها فلم يحصل له ذلك، ثم اجتهد فصلى سبعا وعشرين مرة ليحصل على فضيلة الجماعة، فما أعظم هذا الحرص على درجات الثواب من هذا الإمام! وكم قضى من الوقت والجهد في هذه الصلوات من أجل تدارك ما فاته من مضاعفة الأجر بصلاة الجماعة!
ولكنه مع ذلك رأى تلك الرؤيا العجيبة المباركة التي تدل على أن المسلم وإن كرَّر الصلاة سبعا وعشرين مرة في بيته فلن يلحق بالثواب من حضروا صلاة الجماعة، وهذا دليل على أهمية الصلاة مع الجماعة في المساجد وعِظَم منزلتها في الدين.
فكم يخسر الذين يصلون الصلوات الخمس أو بعضها في بيوتهم! وكم أضاعوا من درجات من الثواب عالية تُعَدُّ بالألوف والملايين!
إن في هذا الخبر لتذكرة للغافلين واستنهاضًا لِهِمَم المتكاسلين، وقُرَّة عين للفائزين السابقين.
_________
(١) سير أعلام النبلاء ١١ / ٤٤٤.
1 / 11
[الرباط في المساجد]
الرباط في المساجد جاء عن رسول الله ﷺ الحث على انتظار الصلاة في المسجد بعد الصلاة وسمَّى ذلك رباطًا، كما أخرج مسلم بن الحجاج ﵀ من حديث أبي هريرة ﵁: أن رسول الله فيه قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره» (١) «وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط» (٢) .
وتسمية هذا العمل الصالح بالرباط تشبيه له بالمرابطة للجهاد في سبيل الله تعالى.
ومما جاء في فضيلة الرباط في المساجد بين الصلوات ما أخرجه أبو عبد الله ابن ماجه ﵀ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ قال: «صلينا مع رسول الله ﷺ المغرب، فرجع من رجع وعقَّب من عقَّب فجاء رسول الله ﷺ مسرعًا قد حفزه النفس، وقد حسر
_________
(١) أي مع وجود المشقة من استعمال الماء لكونه شديد البرودة أو الحرارة أو لبرودة الجو ونحو ذلك.
(٢) صحيح مسلم، رقم ٢٥١، كتاب الطهارة (ص ٢١٩) .
1 / 12
عن ركبتيه فقال: أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى» .
قال البوصيري: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات (١) .
وهذا يبين لنا أهمية المرابطة في المساجد، حيث بلغ ذلك من الفضل إلى أن يباهي به الله سبحانه ملائكته ﵈.
ومما جاء في فضيلة ملازمة المساجد والبقاء فيها ما أخرجه أيضًا أبو عبد الله ابن ماجه ﵀ من حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «ما توطَّن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم.» .
قال البوصيري: إسناده صحيح ورجاله ثقات (٢) .
_________
(١) سنن ابن ماجه، رقم ٨٠١، كتاب المساجد (١ / ٢٦٢) .
(٢) سنن ابن ماجه، رقم ٨٠٠، كتاب المساجد (١ / ٢٦٢) .
1 / 13
[أثر المساجد في التربية والإصلاح]
أثر المساجد في التربية والإصلاح تبين لنا أن المساجد تشتمل على أعمال صالحة من أبرزها الصلاة، ونظرًا لما للصلاة من أثر عظيم في تربية أفراد المجتمع على الاستقامة، وإصلاح ما يطرأ على حياتهم من الانحراف والجنوح نحو الفساد فإنني سأتحدث عن هذا الأثر التربوي الإصلاحي في الصلاة إضافة إلى آثارها العظيمة في الثواب الأخروي.
[الصلاة الكاملة وأثرها في الدنيا والآخرة]
- الصلاة الكاملة وأثرها في الدنيا والآخرة فالصلاة الكاملة مظهر ومخبر، فمظهرها أداؤها كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، وهذا الموضوع قد تم بحثه في كتب الفقه بشكل مفصل فليس بحاجة إلى بيان.
ومخبر الصلاة الخشوع وهو: سكون القلب الذي يترتب عليه سكون الجوارح، وهو مبني على حضور القلب مع الله تعالى ومع الصلاة، وحيث إن هذا الموضوع يحتاج فيه المسلمون إلى بيان وتذكير لعدم الاهتمام به في مناهج الفقه الدراسية، ولأهميته البالغة في كمال هذه العبادة العظيمة فإنني أرى من المهم الإشارة إليه بشيء من التفصيل.
1 / 14
فالخشوع هو روح الصلاح وجوهرها، ولذلك جعله الله تعالى أول صفات المؤمنين الذين حكم لهم بالفلاح في قوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ١ - ٢]
وهو سكون القلب وخضوعه وتَذلُّله لله ﷿، كما أخرج أبو جعفر بن جرير الطبري عن ابن عباس ﵄ أنه قال في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ٢] خائفون ساكنون.
وذكر عن علي بن أبي طالب ﵁ أنه قال: الخشوع في القلب، وأن تُلين للمرء المسلم كنفك ولا تلتفت.
وعن الحسن البصري قال: كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك البصر، وخفضوا الجناح.
وقال ابن جرير في معنى الآية: والذين هم في صلاتهم متذللون لله بإدامة ما ألزمهم من فرضه وعبادته، وإذا تذلل لله فيها العبد رؤيت ذلة خضوعه في سكون أطرافه وشغله بفرضه، وتركه ما أمر بتركه فيها (١) .
_________
(١) تفسير الطبري ١٨ / ٢- ٣.
1 / 15
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له، كما قال رسول الله ﷺ: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (١) .
فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه وسائر الأعضاء وما ينشأ منها حتى الكلام، لهذا كان النبي ﷺ يقول في ركوعه في الصلاة: «خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي» (٢) .
ورأى بعض السلف رجلًا يعبث بيده في الصلاة فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
ورُوي ذلك عن حذيفة ﵁ وعن سعيد بن المسيب، ويروى مرفوعًا لكن بإسناد لا يصح (٣) .
_________
(١) أخرجه الإمام البخاري كتاب الإيمان رقم ٢٩.
(٢) أخرجه الإمام مسلم رقم ٧٧١، وأبو داود، كتاب صلاة المسافر ١١٩، والترمذي، كتاب الدعوات ٢٢، وأحمد ١ / ٩٤، ١٠٢، ١١٩.
(٣) الخشوع في الصلاة ٢٦- ٢٧.
1 / 16
[آثار الخشوع في الصلاة]
[تحقق إقامة ذكر الله تعالى في الأرض]
آثار الخشوع في الصلاة من الآثار المترتبة على الصلاة الكاملة المشتملة على الخشوع ما يلي:
١ - تحقق إقامة ذكر الله تعالى في الأرض: وهذه هي أبرز الحكم من شرعية الصلاة، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٥] فإقامة ذكر الله تعالى في الأرض أعظم مقاصد الصلاة.
[خشية الله تعالى]
٢ - خشية الله تعالى: من الآثار الإيمانية التي يولدها الخشوع في الصلاة القائم على حضور القلب مع الله تعالى إحياء معاني الخوف من الله ﷿ لأن شعور المصلي بأنه واقف بين يدي الله سبحانه مع تذكر عظمته وهيمنته الكاملة على خلقه يزيد من إحساسه بخشية الله سبحانه، كما رُوي عن علي بن الحسين زين العابدين ﵀ أنه كان إذا توضأ اصفر وجهه وارتجفت أطرافه، فقيل له في ذلك فقال: ويحكم أتدرون بين يدي من سأقف! !
1 / 17
[فاعلية الصلاة في محو الخطايا]
٣ - فاعلية الصلاة في محو الخطايا: وقد جاء في ذلك أدلة كثيرة منها ما أخرجه الإمام مسلم من حديث عثمان ﵁ أن النبي ﷺ قال: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ كبيرة (١) وذلك الدهر كله» (٢) .
فهذا الحديث الشريف يبين لنا آثار الصلاة الكاملة في محو الخطايا، وفيه إشارة إلى مخبر الصلاة ومظهرها، فمن الإشارة إلى مخبر الصلاة ذكر الخشوع، ومن الإشارة إلى مظهر الصلاة ذكر الوضوء الذي يعبر عن شروط الصلاة، وذكر الركوع الذي يعبر عن أركان الصلاة.
وقوله «ما لم يُؤْت كبيرة» يبين أن الصلاة وسائر الأعمال الصالحة يكفِّر الله تعَالى بها الذنوب الصغيرة، وعلى ذلك يحمل قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: ١١٤] ويدل على ذلك أيضًا قول رسول الله ﷺ «الصلوات الخمس والجمعة إلى
_________
(١) أي ما لم يعمل معصية كبيرة.
(٢) صحيح مسلم، رقم ٢٢٨، كتاب الطهارة (ص ٢٠٦) .
1 / 18
الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر» أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ (١) .
أما الكبائر فإنه لا يكفرها إلا التوبة النصوح أو رحمة الله تعالى.
ومما يدل أيضًا على أن الخشوع في الصلاة له أثر في مغفرة الذنوب ما أخرجه الإمام أبو داود من حديث عبادة بن الصامت ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول «خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه» (٢) .
وهذا الحديث والحديث الأول يبينان لنا أهمية الخشوع في الصلاة، حيث جاء ذكره بين شروط الصلاة وأركانها، فالوضوء والوقت من شروط الصلاة، والركوع من أركانها.
_________
(١) صحيح مسلم، رقم ٢٣٣ / ١٦، الطهارة (ص ٢٠٩) .
(٢) سنن أبي داود، رقم ٤٢٥، الصلاة، (١ / ٢٩٥) .
1 / 19
وكذلك مما يدل على أثر الخشوع في الصلاة في مغفرة الذنوب ما أخرجه الشيخان من حديث حُمران مولى عثمان أن عثمان بن عفان ﵁ دعا بوضوء فتوضأ - فذكر كيفية وضوئه إلى أن قال: رأيت رسول الله ﷺ توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال رسول الله ﷺ «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث بهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» (١) .
ومن ذلك ما أخرجه مسلم بن الحجاج ﵀ من حديث عمرو بن عبسة السلمي ﵁ في خبر إسلامه، وقد جاء فيه بعد ذكر الوضوء «فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه» (٢) .
فقد اعتبر النبي ﷺ تفريغ القلب لله تعالى أثناء الصلاة وعدم تحديث النفس بأمور الدنيا شرطًا في كون الصلاة مكفرة للذنوب.
_________
(١) صحيح مسلم، رقم ٢٢٦، الطهارة (ص ٢٠٤) . صحيح البخاري، رقم ١٥٩، الوضوء (١، ٢٥٩) .
(٢) صحيح مسلم، رقم ٨٣٢، صلاة المسافرين (ص ٥٦٩) .
1 / 20
[قبولها عند الله تعالى وأثرها في رفع الدرجات في الجنة]
٤ - قبولها عند الله تعالى وأثرها في رفع الدرجات في الجنة: فأما قبولها فقد اتفق العلماء على أن الصلاة لا يثاب عليها فاعلها إلا بمقدار ما يحضر قلبه فيها، وإنما اختلفوا في إجزائها وحكم إعادتها لمن يحضر قلبه مع الصلاة.
يقول الإمام ابن القيم في ذلك:
وقد اختلف الفقهاء في حكم إعادة الصلاة لمن غلب عليه الوسواس فلم يحضر قلبه مع الصلاة فأوجبها ابن حامد من الحنابلة وأبو حامد الغزالي كما ذكر ذلك في الإحياء، ولم يوجبها أكثر الفقهاء واحتجوا بأن النبي ﷺ أمر من سها في صلاته بسجدتي السهو ولم يأمره بالإعادة مع قوله «إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيقول: اذكر كذا اذكر كذا - لما لم يكن يذكر - حتى يضل أن يدري كم صلى»، ذكر ذلك ابن القيم ﵀ ثم قال: ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا يثاب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه، كما قال النبي ﷺ: «إن العبد لينصرف من الصلاة ولم يكتب له إلا نصفها ثلثها
1 / 21
ربعها - حتى بلغ عشرها» (١) وقال ابن عباس ﵄ " ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ".
فليست صحيحة باعتبار ترتب كمال مقصودها وإن سميت صحيحة باعتبار أنا لا نأمره بالإعادة، ولا ينبغي أن يعلق لفظ الصحة عليها فيقال: " صلاة صحيحة " مع أنه لا يثاب عليها فاعلها " (٢) .
وقول ابن عباس ﵄ الذي نقله ابن القيم يشبه قول عمار بن ياسر ﵄ «لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه» (٣) .
فالأمر واضح في عدم ترتب الثواب على الصلاة التي يحدث الإنسان بها نفسه بأمور دنيوية، كما أنه واضح في إجزاء تلك الصلاة وعدم وجوب إعادتها لظهور الدليل في الأمرين، ولكن هل يأثم من حدَّث نفسه في صلاته بأمور دنيوية؟
_________
(١) أخرجه أبو داود من حديث عمار بن ياسر ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها " سنن أبي داود، رقم ٧٩٦، الصلاة (١١ / ٥٠٣)، وأخرجه أيضا الإمام أحمد بالمسند ٤ / ٣١٩، محمد بن نصر - تعظيم الصلاة رقم ١٥٢.
(٢) مدارج السالكين ١ / ١١٢.
(٣) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين للعراقي ١ / ١٦٦.
1 / 22
الواقع أن من غلب عليه حديث النفس ذلك ولم يتعمده فإنه يكون داخلا في النسيان، وبالتالي يكون صاحبه معفوا عنه لقول رسول الله ﷺ «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس ﵄ (١) وذكره الحافظ ابن حجر وقال: ورجاله ثقات (٢) .
لكن من تذكَّر ذلك واستمر في حديث النفس عمدًا فإن هذا معرَّض للإثم لأن هذا العمل فيه استهانة بالصلاة.
والمقصود بانصراف الفكر الذي يؤثر في قبول الصلاة أن ينصرف الفكر إلى الأمور الدنيوية، أما انصرافه إلى أمور الآخرة فالظاهر أنه انتقال من عبادة إلى عبادة، فلا يؤثر ذلك في ترتب الثواب على فعل الصلاة، لكن لا يجوز تعمد ذلك.
ومما يدل على عدم تأثير ذلك على الصلاة ما أخرجه الإمام البخاري من حديث عقبة بن الحارث ﵁ قال: «صليت مع النبي ﷺ العصر، فلما قام سريعًا،
_________
(١) سنن ابن ماجه رقم ٢٠٤٥، الطلاق (١ / ٦٥٩) .
(٢) فتح الباري ٥ / ١٦١.
1 / 23