من الدنيا وزهرتها، ويستأنس (1) بالليل وظلمته.
وكان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن.
كان والله كأحدنا، يدنينا، إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه.
وكان مع قربه منا لا نكلمه هيبة له، فان تبسم (2) فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدوله وغارت نجومه ما ثلا في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الواله الحزين، وكأني أسمعه الآن وهو يقول: ربنا ربنا - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا: أبي تعرضت؟! أم لي تشوقت؟! هيهات هيهات هيهات غري غيري، لاحان حينك، قد أبنتك ثلاثا فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك يسير آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، وخشية الطريق.
قال: فوكفت دموع معاوية على لحيته، ما يملكها وجعل ينشفه بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء فقال: كذا كان والله أبو الحسن، فكيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال:
وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقي دمعتها ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج. (3)
مخ ۸۶