الاربعون حديثا :59
والشيطان لا يكتفي بامام الجماعة وحده فلا تنطفئ شعلة شهوته بجعله امام الجماعة من اهل النار ، بل يدخل الى صفوف المصلين المؤمنين ، فحيث ان فضيلة الصف الاول اعظم من سائر الصفوف ، وان جانب يمين الامام اكثر فضلا من جانب يساره ، فهو يستهدفه اكثر من غيره .
مسكين هذا المتدين . يجره من بيته البعيد ويجلسه في الجانب اليمين من الصف الاول ، ثم يوسوس له كي يتباهى على الناس بهذه الفضيلة ، اذ لا يدري هذا المسكين ماذا يفعل ، فياخذ باظهار فضله بتفاخر ودلال ، ويبرز شركه الباطن فيكون مصيره الى «سجين» ثم يذهب الشيطان الى باقي الصفوف ويدفعهم الى ان يكذبوا من في الصف الاول بالكناية والاشارة وان يجعلوا ذلك المتدين المسكين هدفا لسهام الطعن والشتم ، معتبرين انفسهم منزهين عن مثل اطواره . واحيانا قد يرى شخص محترم ، خصوصا اذا كان من اهل الفضل والعلم ، قد اخذ الشيطان بيده واجلسه في الصف الاخير ، وكانه يريد ان يقول للحاضرين : اني بمقامي هذا لا ينبغي ان اصلي مع شخص كهذا ، ولكن لكوني قد اعرضت عن الدنيا وليس لدي هوى في النفس ، فقد جئت بل وجلست في الصف الاخير ولن التقي اشخاصا من هذا القبيل في الصف الاول من صلاة الجماعة .
ولا يكتفي الشيطان بالامام والماموم ، بل ياخذ بزمام بعض المصلين المنفردين عن الجماعة فيقوده من السوق او المنزل ، بدلال وتبختر ، الى زاوية في المسجد ، حيث يفرش سجادته منفردا ، دون ان يرى اي امام عادلا ، ويصلي في حضور الناس ويطيل السجود والركوع والاذكار الطويلة . هذا الانسان يضمر في باطنه كلمة للناس هي : «انني متدين ومحتاط الى الدرجة التي اترك معها صلاة الجماعة لئلا ابتلي بامام غير عادل» . هذا الانسان ، فضلا عن انه معجب بنفسه ومراء ، فانه لا يعرف المسائل الشرعية ايضا ، وذلك لان مرجع تقليد هذا الشخص ، قد لا يشترط اكثر من مجرد حسن الظاهر في صحة الاقتداء ، ولكن عمله هذا ليس من هذا الباب ، بل من اجل الرياء امام الناس ، ولاجل الحصول على المكانة والمنزلة في القلوب .
وهكذا سائر اعمالنا ، فهي تحت تصرف الشيطان الملعون الذي ينزل في كل قلب كدر ملوث ، ويحرق الاعمال الظاهرة والباطنة ويجعلنا من اهل النار عن طريق الاعمال الحسنة .
فصل:في الدعوة الى الاخلاص
اذا ايها العزيز ، كن دقيقا في اعمالك وحاسب نفسك في كل عمل ، واستنطقها عن الدافع في الاعمال الخيرة ، والامور الشريفة ، فما الذي يدفعها الى السؤال عن مسائل صلاة الاربعون حديثا :60
مخ ۵۹